• الصفحة الرئيسية
  • قصص الأنبياء
  • مقالات
  • عروض دعوية
  • من نحن
  • اتصل بنا

جديد المدونة
عصمة الأنبياء عليهم السلام من الكبائر:   عصمة الأنبياء عليهم السلام من الكبائر    العصمة قسمين:                                       
الآنية والأوعية المستخدمة في العهد النبو:   الآنية والأوعية المستخدمة في العهد النبوي    إن الغرض من هذه القسم هو إلقاء الضوء على الآنية
كان اللهُ .... ولم يكُنْ شيءٌ قبلَه:   كان اللهُ .... ولم يكُنْ شيءٌ قبلَه   قبل خلق آدَم عليه السلام.. قبل خلق الملائكة عليهم السلا
مقدمة: مقدمة    رحلتي المصورة مع الأنبياء ... عمل ضخم ومجهود جبار استغرق مني حوالي 4 سنوات ونصف في إع
خاتمة: وبهذا النبي الكريم ختم الله عز وجل سلسلة هداة البشرية من الأنبياء :   وممــا زادنـــي شرفــاً وتيه
(29) محَمَّد صلى الله عليه وسلَّم (خير أ:   (29) محَمَّد صلى الله عليه وسلَّم (خير أولي العزم من الرسل)    لقد خلق الله عز وجل الخلق واص
الصلاة عند جميع الأنبياء: الصلاة عند جميع الأنبياء    لا شك أن الصلاة كانت مفروضة على أنبياء الله عز وجل قبل مجيء خاتم الأ
حديث ليلة الإسراء والمعراج: حديث ليلة الإسراء والمعراج    في الحديث عن مالك بن صَعْصَعَة الأنصاري رضي الله عنه قال رسول الله
مِلَّة الإسلام ... مِلَّة جميع الأنبياء:  مِلَّةالإسلام ... مِلَّة جميع الأنبياء     إنَّ الدين عند الله الإسلام :  قال تعالى في كتابه ا
(28) عيسى عليه السلام (من أولي العزم من : (28) عيسى عليه السلام (من أولي العزم من الرسل)   هو آخر رسل بني إسرائيل عليهم السلام جميعاً، وقد
الأربعاء, 03 حزيران/يونيو 2015 16:19

(28) عيسى عليه السلام (من أولي العزم من الرسل)

  • حجم الخط تصغير حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط زيادة حجم الخط
  • طباعة
  • البريد الإلكتروني
  • كٌن أول من يعلق!
قييم هذا الموضوع
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
(2 أصوات)
(28) عيسى عليه السلام (من أولي العزم من الرسل)

(28) عيسى عليه السلام (من أولي العزم من الرسل)

 

هو آخر رسل بني إسرائيل عليهم السلام جميعاً، وقد ذكره الله عز وجل في عِدَاِد الرُّسُل الذين قصّ علينا قصصهم. قال سبحانه وتعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف 6).


اسمه ولقبه وصفته:

اسمه في القرآن الكريم: عيسى، ولقبه: المسيح، وكنيته: ابن مَرْيَم. وصفته: عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مَرْيَم وروح منه. وقد لُقِّبَ عيسى ابن مَرْيَم بالمسيح: لأنه ما مسح على ذي عاهة إلا برئ بإذن الله. وقال بعض السلف: سمي مسيحًا لمسحه الأرض وكثرة سياحته فيها للدعوة إلى الدين.

كما يسمى عند اليهود يسوع وهو اسم مشتق من اللغة الآرامية إلى اللغة العبرية وينطق (يشوع) وهو اسم مركب من كلمتين (يهوه شوع) ومعناه الحرفي (الله يخلص) أي: المخلِّص، إشارة إلى أنه عليه السلام سبب لتخليص كثيرين من ضلالاتهم. وذُكِرَ عيسى عليه السلام  في ثلاث عشرة سورة من القرآن، وفي ثلاث وثلاثين آية منه.

أما مَرْيَم بنت عمران: جاء في تفسير البحر المحيط لأبي حيان: "مَرْيَم في لغتهم معناها: العابدة أو خادَمة الرَّب أو خادَمة بيت الرَّب وخادمة بيت المعبد المقدس، فوالدتها أرادت بهذه التسمية لها الخير، والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى والتضرّع إليه بأن يكون فعلها مطابقًا لاسمها، وأن تصدّق فيها ظنها بها, ألا ترى إلى إعاذتها بالله وإعاذة ذريتها من الشيطان ؟ وخاطبت الله بهذا الكلام لترتب الاستعاذة عليه".

 

نَسَبُهُ عليه السلام :

هو عيسى ابن مَرْيَم بنت عمران، ويتصل نسب عمران بداود عليه السلام  من سبط (يهوذا) والله أعلم. فهو عبد الله ورسوله، وهو آخر أنبياء بني إسرائيل عيشًا في الأرض.

قال ابن الأثير: كان عمران بن ماثان - جد عيسى عليه السلام والد مَرْيَم - من ولد سليمان بن داود، وكان آل ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم.

وقال ابن كثير  ولا خِلاف أن مَرْيَم عليها السلام من سلالة داود عليه السلام، وكان أبوها عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه.

  • فحقيقة عبوديته بأنه نبيٌ رسولٌ وعبد لله .... تجلت في القرآن الكريم في أكثر من موضع منها قوله عز وجل (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ) (المائدة 75).

  • عيسى عليه السلام عبد من عباد الله خلقه الله جل جلاله وصوره في الرحم كما صور غيره من البشر من غير أب كما خلق آدَم من أب وأم، قال الله عز وجل (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران 59).

  • وفي السنة المطهرة قول رسول الله  (أنا أولى الناسِ بابنِ مريمَ، والأنبياءُ أولادُ عَلّاتٍ، ليس بيني وبينه نبيٌّ). معاني الكلمات:  أولاد عَلاَّت: أمهاتهم مختلفة، وأبوهم واحد أي الأخوة لأب من أمهات شتى أي أن إيمانهم واحد، وشرائعهم مختلفة.

 

  كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه، إلا مريم وابنهاعليهما السلام:

  •  قال رسول الله  (ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مسِّ الشيطان إياه إلا مَرْيَم وابنها. ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ). (صحيح البخاري).
  • وقال رسول الله  (ما من مولودٍ يولدُ إلا نَخَسَه الشيطانُ . فيستهلُّ صارخًا من نخسةِ الشيطانِ. إلا ابنَ مريمَ وأمَّه. ثم قال أبو هريرةَ: اقرؤا إن شئتم: (وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (وفي روايةٍ: يمسُّه حين يولدُ، فيستهلُ صارخًا من مسةِ الشيطانِ إياه) (صحيح مسلم).

  • وقال رسول الله  (كلُّ بني آدمَ يطعنُ الشيطانَ في جنبيهِ بإصبعِه حين يولدُ، غير عيسى ابنِ مريمَ، ذهب يطعن فطُعن في الحجابِ) (صحيح البخاري).

    في هذا الحديثِ يقول النَّبيُّ : إنَّ كلَّ بَني آدمَ يَطعُنُه الشَّيطانُ، أي: يَضرِبُه أو يَمَسُّه أو يَنخُسُه في جنبَيْهِ بإصبعِه حِينَ يُولَدُ، فيَستهِلُّ صارخًا غيرَ عيسى ابنِ مريمَ؛ فإنَّ الله تعالى عصَمَه وأُمَّهُ مِن نَخْسِ الشَّيطانِ عند الولادةِ؛ وذلك لدعوةِ امرأةِ عِمرانَ؛ إذ قالتْ: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (آل عمران: 36)، فاستجاب اللهُ سبحانَه دَعوةَ امرأة عِمرانَ، فحفِظ مريمَ وابنَها عيسى عليهم السَّلامُ من نخسِ الشَّيطان، وقوله: (فطعَنَ في الحِجابِ)، أي: الجِلدةِ التي فيها الجَنينُ، وتُسمَّى المَشِيمَةَ، وقيل: الحجابُ هو الثَّوبُ الذي يُلَفُّ فيه المولودُ.

     

    حياة مَرْيَم العذراء عليها السلام وعبادتها:

    قصة مَرْيَم البتول قصة عجيبة، ووجه العجب فيها هو ولادتها من غير زوج! وإذا نحن غضضنا الطرف عن بداية خلق الإنسان أصلاً، فإن ولادة عيسى ابن مَرْيَم أعجب ما شهدته البشرية في تاريخها كله، فالإنسانية لم تشهد خلق نفسها، وهو الحادث العجيب الضخم في تاريخها! لم تشهد خلق الإنسان الأول من غير أب وأم، وقد مضت القرون بعد ذلك الحدث المعجز؛ فشاءت الحكمة الإلهية أن تبرز العجيبة الثانية في مولد عيسى من غير أب، على غير السُّنَّة التي جرت منذ خلق الإنسان على الأرض ليشهدها البشر.

    لقد جرت سنة الله في هذه الحياة على التناسل والتزاوج بين الذكر والأنثى أحقاباً مديدة، حتى عرف البشر أن هذه هي الطريقة الوحيدة للتناسل والتزاوج، ونسوا حادث خلق الإنسان الأول من العدم؛ لأنه خارج عن القياس، فأراد الله أن يضرب لهم مثل عيسى ابن مَرْيَم عليهما السلام؛ ليذكرهم بقدرته التامة وإرادته الكاملة، ولم يتكرر حدث عيسى عليه السلام لأن الأصل هو أن تجري السُّنَّة التي وضعها الله وفق ما وضعها تعالى في الكون، ولكن هذا الحادث يكفي ليبقى أمام أنظار البشرية مَعْلَماً بارزاً على قدرته سبحانه ومشيئته، وعدم احتباسها داخل حدود النواميس، لذلك قال (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) (مريم21).

    فالمشهد الأول من القصة يصور فتاة عذراء قديسة، وهبتها أمها وهي في بطنها لخدمة المعبد، لا يَعرف أحد عنها إلا الطُّهر والعفة، ولا يُعرف عن أسرتها إلا الطيبة والصلاح. فنشأت الصديقة نشأة طُهر وعفاف، وتربت على التقوى تؤدي الواجبات وتكثر من نوافل الطاعات، وعاشت في جوار بيت المقدس، وقد وصفها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بالصِّدِّيقة، وكانت الملائكة تأتي إلى مَرْيَم عليها السلام وتزورها وتأتي لها بالطعام (كما سبق وذكرنا في قصة زَكَرِيَّا عليه السلام). إلى أن جاءت إليها في وقت وبشرتها باصطفاء الله سبحانه وتعالى لها من بين سائر النساء وبتطهيرها من الأدناس والرذائل، وبشرتها بمولود كريم يكون له شأنٌ عظيم في الدنيا والآخرة ويكلِّم الناس صغيرًا في المهد ويكون كهلًا ومن الصالحين، يقول الله تعالى في القرآن الكريم (وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ) (آل عمران).

     

    فضل مَرْيَم ابنة عمران (عليها السلام) في الحديث الشريف:

  • قال رسول الله  (خيرُ نسائِها مريمُ، وخيرُ نسائِها خديجةُ) (صحيح البخاري).

  • قال رسول الله  (كمُل من الرجالِ كثيرٌ ولم يكمُلْ من النساءِ غيرُ مريمَ بنتِ عمرانَ، وآسيةَ امرأةِ فرعونَ ....) (مسلم).

  • قال رسول الله  (نساءُ قريشٍ خيرُ نساءٍ ركبْنَ الإبلَ، أحناه على طفلٍ، وأرعاه على زوجٍ في ذاتِ يدِه. قالَ: يقولُ أبو هريرةَ على إثرِ ذلك: ولم تركبْ مريمُ بنتُ عمرانَ بعيرًا قط) (صحيح مسلم).

  • قال رسول الله  (حسبُكَ من نساءِ العالمينَ مريمُ بنتُ عمرانَ وخديجةُ بنتُ خُويلدٍ وفاطمةُ بنتُ محمَّد وآسِيةُ امرأةُ فرعونَ) (حسن كما قال في المقدمة).

  • قال رسول الله  (فاطمةُ سيدةُ نساءِ أهلِ الجنةِ إلا ما كان من مريمَ بنتِ عمرانَ) (إسناده حسن).

  • في الحديث الشريف عن عائشة الصديقة رضي الله عنها قالت (لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتها امرأة بعد مَرْيَم بنت عمران ......) (إسناده جيد).

     

ولادة عيسى ابن مَرْيَم عبد الله ورسوله وبيان حال أُمِّه مَرْيَم العذراء حين ولادته :

سورة آل عمران:

يقول الله سبحانه وتعالى إخبارًا عن تبشير الملائكة لمريم بعيسى عليهما السلام : (إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ (46) ) (آل عمران).

لقد شاء الله أن يخرق قاعدة الإنجاب والتناسل في فرد من بني الإنسان وهي الخلق من أنثى فقط، تتلقى النفخة التي تُنْشَأ الحياة ابتداءً، فتنشأ فيه الحياة! وقد بشرت الملائكة مَرْيَم بكلمة من الله اسمه المسيح عيسى ابن مَرْيَم فتضمنت البشارة نوعه واسمه ونسبه، وظهر من هذا النسب أن مرجعه إلى أمه، ثم تضمنت البشارة كذلك صفته ومكانه من ربه عز وجل بأنه وجيه في الدنيا والآخرة ومن المقربين، وتضمنت معجزة تُصَاحِبُ مولده بأنه يكلم الناس في المهد، ولمحة عن مستقبله (وكهلاً)، ووصفته والموكب الذي ينتسب إليه أنه من الصالحين.

 

سورة مَرْيَم:

ولكن جاءت الآيات مفصلة أكثر في سورة كاملة باسم مَرْيَم في القرآن الكريم، قال الله عز وجل (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيّاً (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً (21) فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً (26)) (مَرْيَم).

ملاحظة هامة: مَرْيَم هي المرأة الوحيدة التي ذكر القرآن الكريم اسمها صراحةً، ولم يذكر اسم أي امرأة أخرى غيرها. فلقد جاء في الآيات المباركات على سبيل المثال: امرأة نوح، امرأة لوط، امرأة فرعون، امرأة عمران، أم موسى، أخته، فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ (سارة زوج إبراهيم) ...... إلخ.

 تقدم أن مَرْيَم كانت تعبد الله عز وجل وفي نفس الوقت تخدم المصلين والمعتكفين في المسجد. وكانت تخرج منه في زمن حيضها أو لحاجة ضرورية لا بد منها، وفي ذات يوم خرجت من محرابها الذي كانت تعبد الله فيه (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً) أي اعتزلتهم، وتنحَّت عنهم وذهبت إلى شرقي المسجد المقدس، قال ابن عبَّاس رضي الله عنه : خرجت مَرْيَم مكاناً شرقياً فصلوا قِبَلَ مطلِعَ الشمس.

هنا أمر الله سبحانه وتعالى الروح الأمين وهو جبريل عليه السلام أن يذهب إليها ليبشرها بعيسى، فتمثّل لها في صورة شاب جميل أبيض الوجه، فلما رأته مَرْيَم عليها السلام لم تعرف أنه جبريل ففزعت منه واضطربت وخافت على نفسها منه وارتابت في أمره حيث ظهر لها فجأة في ذلك المكان، وصارت تبتعد منه ثم قالت (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) أي إن كنت تقيًّا مطيعًا فلا تتعرض لي بسوء، لكن جبريل عليه السلام سرعان ما أزال عنها اضطرابها وهدّأ من روعها وقال لها (إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) أي أني لست بشرا ولكني ملَك أرسلني الله سبحانه وتعالى إليك لأهب لَكِ غُلامًا يكون طاهرًا نقياً، ففزعت وقالت متعجبة (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) ليس لي زوج ولست بزانية فكيف يكون لي غلام (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا) فأجابها جبريل عن تعجبها بأنّ خَلْق ولدٍ من غير أبٍ سهل هيّن على الله جلت قدرته، وليجعله علامة للناس ودليلاً على كمال قدرته عز وجل وليجعله رحمة ونعمة لمن اتبعه وصدقه وآمن به. فأمر الله جل جلاله جبريل عليه السلام أن ينفخ في جيب مَرْيَم البتول – الجيب هو شق الثوب الذي يكون في الصدر- فحملت فوراً. فالمقدور خير من المرغوب، ولا نعلم ماذا تخبئ لنا أقدار المولى من خير، فصارت مَرْيَم أم نبي الله عيسى وصارت سيدة نساء العالمين.

(فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا) مسألة خاصة خارجة على قانون الطبيعة، فليس في الأمر انتقاء، إنما النفخة التي نفخها الله في آدَم، فجاءت منها كل هذه الأرواح، هي التي نفخها في مَرْيَم، فجاءت منها روح واحدة قال عز وجل (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء 91). فهنا (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً) ولم يقل آيتين لأن معنى الكلام: وجعلنا شأنهما وأمرهما آية للعالمين، فالآية فيهما واحدة.

قال عز وجل (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) (النساء 171) أي ألقى كلمته: وهي كلمة (كن)، أي خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل عليه السلام إلى مَرْيَم، فنفخ فيها.. فكان عيسى بإذنه عز وجل، وكانت تلك النفخة التي نفخها في جيب درعها، فنزلت حتى ولجت فرجها، بمنزلة لقاح الأب والأم. والجميع مخلوق لله عز وجل، ولهذا قيل لعيسى: إنه كلمة الله وروح منه؛ لأنه لم يكن له أب يولد منه، وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له بها: كن ... فكان.

وقد اختلف العلماء في مدة الحمل ولكن على الأرجح أنها مدة حمل طبيعية كأي إمرأة تسعة أشهر، والله أعلم.

 

الإعجاز في آية الخلق:

قال سبحانه وتعالى : (فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)) (الطارق).

تفسير الآيات الكريمات أن أصل خلق الإنسان مكون من: صُلْب الرجل وتَرائِب المرأة، والترائب: جمع تريبة، ويقال : تَريب، وهي عظام الصدر والنحر أي عظام الصدر التي بين الترقُوَتَيْن والثَّديين وهي أربعة أضلاع من يمنه الصدر وأربعة من يسرته. قال ابن عبَّاس : هي موضع القلادة من الصدر. أي أن أصل تكَوُّن ذلك الماء وتنقله من بين الصُّلْب والتَّرائِب، وليس المعنى أنه يمر بين الصُّلْب والتَّرائِب. أما الصُّلْب: فهي فقرات العمود الظهري.

فالخصية والمبيض إنما يتكونان من الحدبة التناسلية بين صلب الجنين وتَرائِبِه .. الصُّلْب هو العمود الفقري .. والتَّرائِب هي الأضلاع. وتتكون الخصية والمبيض في هذه المنطقة بالضبط، أي بين الصُّلْب والتَّرائِب، ثم تنزل الخصية تدريجياً حتى تصل إلى كيس الصَّفَن (خارج الجسم) في أواخر الشهر السابع من الحمل... بينما ينزل المِبْيَضُ إلى حوض المرأة ولا ينزل أسفل من ذلك.  فالحيوانات المنوية لدى الرجل أو البويضة لدى المرأة إنما تستقي مواد تكوينها من بين الصُّلْب والتَّرائِب، كما أن منشأها ومبدأها هو من بين الصُّلْب والتَّرائِب. والآية الكريمة إعجاز كامل حيث تقول: من بين الصُّلْب والتَّرائِب، ولم تقل من الصُّلْب والتَّرائِب، فكلمة بين ليست بلاغية فحسب وإنما تعطي الدقة العلمية المتناهية.

فيتضح من هذه الآيات الكريمات بيان إعجاز الخلق ... لذا نستطيع أن نفهم لماذا نفخ روح القدس جبريل عليه السلام في جيب مَرْيَم عليها السلام ... فحملت بعيسى عليه السلام بأمر الله عز وجل وكلمته.

  

ظهور علامات الحمل على مَرْيَم العذراء :  

لما حملت مَرْيَم بعيسى عليهما السلام وظهرت عليها مخايل الحمل كان أول من فطن لذلك يوسف بن يعقوب النجار وهو ابن خالها وكان من عباد الله الصالحين ومن من عُبَّاد بني إسرائيل. فجعل يتعجب من ذلك لما يعلم من تدينها ونزاهتها، فقال لها مرة يعرض لها في حملها: يا مريمُ هل يكون زرعٌ من غير بذر ؟ ففطنت لسؤاله وأجابته: نعم فمن خلق الزرع الأول ؟ .... ثم عقَّب بصراحة قائلاً: فهل يكون ولد من غير ذكر ؟ قالت: نعم إن الله خلق آدَم من غير ذكر ولا أنثى، عندئذ قال لها: يا مَرْيَم أخبريني خبرك، فأخبرته حقيقة أمرها وقالت له، إن الله عز وجل بشرني بكلمةٍ منه اسمه المسيح عيسى ابن مَرْيَم وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين. قال تعالى: (إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ (46)) (آل عمران).

لقد كانت مَرْيَم البتول تحسن الاستقبال عن الله، فساعة سمعت أن اسمه المسيح عيسى ابن مَرْيَم، عرفت أن نسبه لها يعني أنه بلا أب، وعرفت أن الحق سبحانه ما نسبه إليها إلا لأنه لا أب له. (تفسير الشعراوي)

ويروى مثل هذه الحادثة عن زَكَرِيَّا عليه السلام أنه سألها فأجابته بمثل هذا، فهو كفيلها وقد رباها من طفولتها ولا يدخل عليها غيره وبعلم مدى عفتها وطهارتها (والله أعلم).

وذكر السدي بإسناده عن الصحابة: أن مَرْيَم دخلت يوماً على أختها (أو خالتها أم يحيى زوج زَكَرِيَّا) فقالت لها: أشعرت أني حبلى ؟ فقالت مَرْيَم: وشعرت أيضاً أني حبلى ؟ فاعتنقتها وقالت لها أم يحيى: إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك وذلك قوله (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ) ومعنى السجود هنا الخضوع والتعظيم، كالسجود للسلام، وكما أمر الله الملائكة بالسجود لآدَم.

فذلك تصديق يحيى وإيمانه بنبوءة عيسى وهو ما زال في بطن أمه، فهو أول من صدق بكلمة اللّه عيسى، وهو أكبر منه بحوالي ثلاثة أشهر قال عز وجل : (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ) (آل عمران 39)، قال ابن عبَّاس رضي الله عنه : كان يحيى وعيسى ابني خالة.

وقال مالك : بلغني أن عيسى بن مَرْيَم ويحيى بن زَكَرِيَّا ابنا خالة وكان حملها جميعاً معاً، فبلغني أن أم يحيى قالت لمريم: إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك. قال مالك: أرى ذلك لتفضيل عيسى عليه السلام، لأن الله جعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص.

 

معجزة ميلاد المسيح عليه السلام :                                  

لما أتمَّت مَرْيَم عليها السلام أيام حملها وقرُبَ موعد ولادتها ... تركت بيت المقدس وتوجهت بعيدة عن عيون قومها إلى مغارة في بيت لحم وهي مدينة على بعد 10 كم إلى الجنوب من القدس (وقد أقيم على المغارة فيما بعد كنيسة تسمى كنيسة المهد)، ثم اشتدَّ بها المخاض فألجأها وجع الولادة إلى جذع نخلة، فاحتضنت ذلك الجذع وصارت تبكي وتقول : يا ليتني متُّ ولم أشهد هذا الموقف وكنت منسيَّة لصعوبته عليها، فجعل الله عز وجل تحتها نهرًا صغيرًا (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) (مَرْيَم) ، وطُلِب منها أن تهزّ جذع النخلة ليتساقط عليها الرُّطب الجني الطري، وأن تأكل وتشرب مما رزقها الله سبحانه وتعالى، وأن تقَرَّ عينها بذلك، فأكلت الرطب وشربت من النهر الذي أجراه الله جل جلاله بقدرته، وكل ذلك إكرامًا من الله عز وجل لمريم على إيمانها وصلاحها وعنايةً بوليدها المسيح عيسى عليه السلام.

صورة لكنيسة المهد / بيت لحم / فلسطين

 كنيسة المهد في بيت لحم :

كنيسة المهد هي الأولى بين الكنائس الثلاثة التي بناها الإمبراطور قسطنطين الملك الروماني حين أصبحت المسيحية ديانة الدولة الرسمية عام 325م. وقد بنتها الملكة هيلانة بأمر ولدها قسطنطين في الموضع الذي توجد فيه المغارة التي ولد فيها المسيح بعد زيارتها في سنة 326م للأراضي المقدسة بغرض مشاهدة الأماكن المهمة في حياة السيد المسيح عليه السلام، ونلاحظ وجود الصليب وهو ليس في رسالة المسيح عليه السلام.

 فيديو / مكان مولد المسيح عليه السلام في كنيسة المهد/ بيت لحم

  عودة مَرْيَم إلى قومها وهي تحمل المسيح عليه السلام :

وبعد أيام من ولادتها وقد استقرت حالتها وحال وليدها، طلب منها الله جل جلاله أن ترجع إلى قومها، وأن تصوم عن الكلام وهو سيتولى الدفاع عنها بالكيفية التي يريدها (فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً) (مَرْيَم 26)، وأن لا تُكَلِّم إنسًا، فإن رأت أحدًا من الناس تقول له بالإشارة أنها نَذَرَت للرحمن صومًا أي صمتًا، وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام (مثلما فعل زَكَرِيَّا عليه السلام من ذي قبل).

قال سبحانه وتعالى: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)) (مَرْيَم).

أتت الطاهرة مَرْيَم قومها في بيت المقدس تحمل مولودها عيسى عليهما السلام على يدها، فلما رآها قومها اتهموها فوراً بدون إعطائها أي فرصة للتبرير- فمعروف عن بني إسرائيل أنهم قوم بهت وضلالة- فاتهموها بقولهم: لقد فعلت فعلة منكرة عظيمة، يا أخت هارون فإن أباك لم يكن رجل سوء ولم تكن أمك زانية، وظنوا بها السوء وصاروا يوبخوها ويؤنبوها وهي ساكتة لا تجيب وقد أخبرتهم أنها نذرت للرحمن صومًا.

 

ما تفسير ….  يا أخت هارون ؟

عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لما قدمتُ نجرانَ سألوني، فقالوا: إنكم تقرؤونَ: يَا أُخْتَ هَارُونَ، وموسى قبلَ عيسى بكذا وكذا. فلما قدمتُ على رسولِ اللهِ  سألتُه عن ذلك فقال (إنهم كانوا يُسمُّونَ بأنبيائِهم والصالحينَ قبلهم).

 

رضيع تكلم في المهد :

قال رسول الله : (لم يتكلمْ في المهدِ إلا ثلاثةٌ: عيسى، وكان في بني إسرائيلَ رجلٌ يقالُ له جريجٌ  ...... ) (صحيح البخاري)

وفي حديث الشفاعة الطويل يوم الحساب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله : (............ اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسولُ اللهِ، وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه، وكلَّمتَ الناسَ في المهدِ صبيًا، اشفعْ لنا، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول عيسى  ....... ) (صحيح البخاري).

 في هذه اللحظات العصيبة وقد اشتد الكرب على مَرْيَم وضاق بها الحال .... أشارت إلى وليدها عليه السلام أن كَلِّموه، عندها قالوا لها متعجبين: ما أخبر الله به (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) وما هذا منك إلا على سبيل التهكُّم بنا والازدراء فبالرغم من أنك لا تردين علينا بكلام ولا تجيبينا بل وتطلبين منا التحدث مع رضيع في المهد.

هنا ...... أنطق الله سبحانه وتعالى بقدرته الرضيع (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ) وصف نفسه بأعظم مقام في التاريخ ممكن أن يبلغه أي إنسان، وهو مقام العبودية لله عز وجل، وهذا اعتراف منه عليه السلام بعبوديته لله سبحانه وتعالى وهذه أول كلمة نطق بها عيسى وهو في المهد.

ثم قال (آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) وهذا إخبار عما قضى الله له ومنحه إياه مما سيظهر ويكون، وفي ذلك تبرئة لأمِّهِ مما نسبوا إليها واتهموها به.

ثم قال (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ) أي نفَّاعًا حيثما توجهت معلمًا للخير، وذلك أن عيسى عليه السلام كان يدعو إلى عبادة الله تعالى وحده وأن لا يعبد شيء غيره.

ثم قال (وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32) ) (مَرْيَم) وهذا أيضًا إخبار عما قضى الله له ومنحه إياه مما سيظهر ويكون. وهنا يظهر أن العلاقة بالأم (خاصة) تحدد مساحة السعادة والشقاء في حياتنا.

لكن السؤال هنا ... كيف آتاه الكتاب وهو ما يزال وليداً في مَهْده ؟ قالوا: على اعتبار أنه أمرٌ مفروغ منه، وحادث لا شَكَّ فيه، كأنه يقول: أنا أَهْل لأنْ أتحملَ أمانةَ السماء إلى أهل الأرض. وإنْ لم يأت الوقت الذي يُبلِّغ فيه هذا الكتاب، أي حكم لي بإيتاء الكتاب والنبوة في الأزل، وإن لم يكن الكتاب منزلاً في الحال.

 

 ملاحظة:

عيسى عليه السلام إنما تكلم في طفولته بهذه الآية ثم عاد إلى حالة الأطفال، فالهدف من ذلك دفع التهمة الباطلة عن أمه. ثم نشأ على عادة البشر كطفل عادي إلى أن بلغ مبلغ الصبيان، فكان نطقه وقتها إظهار لبراءة أمه لا لأنه كان ممن يعقل في تلك الحالة، فقد أنطقه خالقه مثلما يُنطِق سبحانه وتعالى الجوارح يوم القيامة. ولم ينقل أنه دام نطقه، ولا أنه كان يصلي وهو ابن يوم أو شهر.

ثم أكمل عيسى عليه السلام كلامه بقوله : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً) (مَرْيَم 33)، فلما كانت هذه المواطن الثلاثة أشق ما يكون على ابن آدَم جعل الله عز وجل السلامة على نبيه عيسى عليه السلام في هذه المواطن الثلاثة يوم ولادته وعندما يموت وعند البعث يوم القيامة. (سبق تفصيلها في قصة يحيى عليه السلام / الفرق بين السلام على يحيى والسلام على عيسى عليه السلام في سورة مَرْيَم).

 

طفولة المسيح عيسى عليه السلام :

عندما عادت مَرْيَم العذراء بوليدها وجرت على يديه كل تلك المعجزات، انقسم بني إسرائيل بين مصدق (وهم قلة) ومعارض، واستمروا على تكذيبهم لمريم واتهامها بالزنى والفحش. وكعادة البني إسرائيل وهم قوم غدر وبهتان، عرفوا من خلال التوراة بأنّهَ سيكون لهذا الصبي شأن عظيم، وأنه عندما سيكبر سيكون نبي منتظر يقيم شرع إله السماوات والأراضين، ويعيد حكم التوراة، فقرروا أن يوشوا به لدى الملك هيرودس ملك اليهود حينها وقد كان حليفاً أميناً للإمبراطورية الرومانية، وكان مقره في مدينة أورشليم (القدس)، وحرضوه بقولهم أن هذا الطفل سيأخذ منه ملكه عندما يكبر، وأمر جنوده بذبح جميع مواليد بيت لحم عندما علم أن المسيح قد وُلد فيها، وقام هو وجنوده بمطاردة المسيح عيسى وأمه لقتله وذبحه، مما اضطر الأم أن ترحل برضيعها الذي لم يبلغ الستة أشهر من عمره مهاجرةً من فلسطين (استمرت الرحلة المباركة من فلسطين إلى مصر ثم إلى الشام ومن ثم العودة إلى الناصرة شمال فلسطين حوالي 7 أعوام وقيل 12 عاماً)، وقد رحل معها ابن خالها يوسف النجار وهو من عباد بني إسرائيل الصالحين ليكون عوناً لها في سفرها وترحالها.

 

هيئة ووصف المسيح عيسى عليه السلام :

  • (1) عن أبي هريرة  قال رسول اللهليلةَ أُسريَ بي: (.............. قال: ولَقيتُ عيسى - فنَعَتَه النبيُّ  فقال - رَبْعَةٌأحمرُ، كأنما خرَج من ديماسٍ - يعني الحمامَ - .............. ) (صحيح البخاري).

تفسير قوله صلى الله عليه وسلم في وصف عيسى ابن مَرْيَم عليه السلام : رَبْعَة: هو بفتح الراء وهو المربوع أي ليس بطويل ولا قصير بل وسط بينهما / أحمرُ: بشرته حمراء يميل للسمرة الخفيفة / من ديماس: يعني الحمام.

والمراد من ذلك وصفه بصفاء اللون ونضارة الجسم وكثرة ماء الوجه كأنه كان في مكان فخرج منه وهو يتصبب عرقاً حتى قطر الماء من رأسه، وهو كناية عن مزيد نضارة وجهه، وفي رواية أخرى: يقطر رأسه ماء وإن لم يصبه بلل.

 

  • (2) عن عبدالله بن عمر  قال رسول الله  ليلةَ أُسريَ بي: (بَيْنَا أنا نائمٌ رَأَيْتُنِي أطوفُ بالكعبةِ، فإذا رجلٌ آدَم،سَبْطُالشَّعْرِ، بينَ رَجُلَيْنِ، يَنْطِفُ رأسُه ماءً، فقلتُ: مَن هذا ؟ قالوا: ابنُ مَرْيَمَ، فذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فإذا رجلٌ ........) (صحيح البخاري).

تفسير قوله صلى الله عليه وسلم في وصف عيسى ابن مَرْيَم عليه السلام: رجلٌ آدَم: أي لونه أحمر يميل للسمرة الخفيفة / سَبْطُ الشَّعْرِ: أي طويل مسترسل وليس بأجعد / ينطف رأسه ماء: يقطر ويسيل من رأسه الماء.

 

  •  (3) عن عبدالله بن عمر  قال رسول الله  (............  أُراني الليلةَ في المنامِ عند الكعبةِ. فإذا رجلٌ آدَم كأحسنِ ما ترى من آدَم الرجالِ. تضربُ لمتُه بين منكبَيْه. رَجِلُ الشعَر،ِ يقطرُ رأسُه ماءً، واضعًا يديْه على منكبي رجلين. وهو بينهما يطوفُ بالبيتِ. فقلتُ: من هذا ؟ فقالوا: المسيحُ بنُ مريمَ. ورأيتُ وراءَه ........) (صحيح مسلم).

تفسير قوله صلى الله عليه وسلم في وصف عيسى ابن مَرْيَم عليه السلام: تضربُ لمتُه بين منكبَيْه: أي الشعر المتدلي الذي جاوز شحمة الأذنين. فإذا بلغ المنكبين فهو جمة / رَجِلُ الشعَر: سرحه بمشط مع ماء أو غيره / يقطر رأسه ماء: كناية عن نضارته وحسنه وجماله.

 

  • (4) عن أبي هريرةقال رسول الله(الأنبياءُ إخوةُ عَلَّاتٍ أمَّهاتُهُم شتَّى ودينُهم واحدٌ، وإنِّي أولى النَّاسِ بعيسى ابنِ مريمَ لأنَّهُ لم يكن بيني وبينَهُ نبيٌّ، وإنَّهُ نازِلٌ فإذا رأيتُموهُ فاعرِفوهُ، إنَّه رجلٌ مربوعٌ إلى الحمرةِ والبياضِ عليهِ ثوبانِ ممصَّرانِ كأنَّ رأسَهُ يقطرُ ماء وإن لم يصبهُ بللٌ فيدقُّ الصَّليبَ ويقتلُ الخنزيرَ ويضعُ الجِزَى ويدعو النَّاسَ إلى الإسلامِ ويُهلِكُ اللَّهُ في زمانِهِ المسيحَ الدَّجَّالَ ثمَّ تقعُ الأمَنةُ على الأرضِ حتَّى ترتعَ الأسودُ معَ الإبلِ والنِّمورُ معَ البقرِ والذِّئابُ معَ الغنمِ ويلعبَ الصِّبيانُ بالحيَّاتِ فيمكثُ أربعينَ سنةً ثمَّ يُتوفَّى ويصلِّي عليهِ المسلمونَ) (إسناده جيد قوي).

تفسير قوله صلى الله عليه وسلم في وصف عيسى ابن مَرْيَم عليه السلام : رجلٌ مربوعٌ: بين الطويل والقصير / ممصَّرانِ: أي ثوب من شقين لونهما بيج مائل للصفرة / تقعُ الأمَنةُ: الأمن والأمان / ترتعَ: ترعى.

 

رحلة المسيح عيسى عليه السلام ووالدته خوفاً عليه: 


أول محطة ... السفر إلى مصر :

 رحلت مَرْيَم العذراء ووليدها إلى مصر عن طريق العريش .... إلى المطرية .... ثم رحلت إلى مصر القديمة واستقرت فترة من الزمن في مغارة (تسمى مغارة العائلة ثم شُيِّدت هناك كنيسة أبي جرسه فيما بعد، ويقال أنها شيدت فوق المكان الذي أقامت فيه السيدة مَرْيَم ورضيعها ويوسف النجار أثناء رحلة الهروب، وموقعها الحالي هو ما يعرف باسم مجمع الأديان بالقاهرة القديمة) وأقامت فيها  6ستة أشهر .... ثم رحلت إلى جنوب مصر في الصعيد .... إلى أن قررت أن تعود إلى وطنها الأصلي بيت المقدس في فلسطين. وكان في كل مرة يتبعها الملك الروماني الطاغية هيرودس بجنوده فتضطر أن ترحل خوفاً على وليدها من بطش جنوده لقتله.

  

فيديو / رحلة المسيح عليه السلام إلى مصر 

 

المغارة التي أقامت فيها مريم  مع ابنها المسيح عليهما السلام برفقة قريبها يوسف النجار في مصر القديمة/ داخل حصن بابليون

 

 

ثاني محطة ... رحلت مَرْيَم البتول مع وليدها من مصر إلى سوريا  للمدن السورية مَعْلُولَا وصَيْدَنَايَا وخان العروس :


قبل أن تعود مَرْيَم العذراء مع صغيرها إلى فلسطين رحلت إلى سوريا (بلاد الشام) شمال دمشق إلى مدينة مَعْلُولَا التي تشتهر بوجود معالم مقدسة (وهي مدينة سورية شمال غرب دمشق على بعد 50 كم، معنى اسمها: يعني المكان المرتفع ذو الهواء العليل حسب اللغة السريانية، وتشتهر بوجود معالم مسيحية مقدسة ومعالم قديمة مهمة. كما أن سكانها من المسيحيين والمسلمين ما زالوا يتكلمون باللغة الآرامية (السريانية) لغة المسيح حتى اليوم بجانب اللغة العربية، ومعظم بيوتها وأديرتها منحوتة داخل الصخور).

 يوجد فيها خان العروس وهو خان أثري تجاه مفرق مَعْلُولَا، شيّده السلطان صلاح الدين الأيوبي عام 577هـ، ويسمى خان العروس أو خان صلاح الدين أو خان السلطان.

ثم انتقلوا إلى مدينة صَيْدَنَايَا (صَدْنَايَا) ... وهي من أهم مدن العالم المسيحي بعد مدينة القدس، فيها الكثيـر من الآثار والأديرة وأهمها دير السيدة الذي بناه الامبراطور البيزنطي جوستنيان. 

 

 

فيديو /رحلة المسيح عليه السلام إلى سوريا

 

ثالث محطة ... العودة إلى فلسطين ... عادت مَرْيَم العذراء إلى مدينة الناصرة شمال فلسطين :

بعد عودة السيدة مَرْيَم من سوريا ... استقرت لفترة من الزمن مع ابنها عيسى عليهما السلام في مدينة الناصرة، وهي من أهم مدن فلسطين التاريخية في منطقة الجليل، وتبعد عن القدس حوالي 105 كم إلى الشمال.

تعتبر مدينة الناصرة أحد أكثر المدن قداسةً في الديانة المسيحية، وقد عاش عيسى عليه السلام فيها غالبية سنين حياته فنُسِبَ إليها ودعي بيسوع الناصري، فأصبح يطلق على أتباعه بالنصارى. وبسبب قدسية المدينة بالنسبة للمسيحيين، فمن العصر البيزنطي أضحت المدينة مركزاً دينياً ومع الاحتلال الصليبي للمدينة ازدادت أهميتها الدينية.

 

المحطة الأخيرة ... العودة إلى بيت المقدس مجدداً : 

عادت مَرْيَم العذراء إلى مسقط رأسها ونشأتها ... إلى بيت المقدس بعد سنوات من الهروب والتخفي من الحاكم الظالم هيرودس، قيل بعد سبع سنوات وقيل اثنتي عشرة عاماً. وعاش المسيح عليه السلام جزءاً من طفولته في ساحات المسجد الأقصى وفي المصلى المرواني تحديداً، لأنه كان مرافقاً لوالدته عليهما السلام والتي كانت معتكفة متعبدة تخدم زوَّار ومعتكفي الأقصى المبارك.

    

 

فيديو / أين عاش ونشأ المسيح عليه السلام في المصلى المرواني/القدس

 

نشأة عيسى عليه السلام :

 نشأ عيسى عليه السلام نشأةً صالحةً، كما كان كثير العبادة وله مواعظ شتى، وكان أينما أدركه الليل صفَّ قدميه وقام يصلي حتى يصبح، وكان يمر بمجالس بني إسرائيل فيقضي لهم حوائجهم.

كان عليه السلام يأكل من غَزْلِ أمِّهِ مَرْيَم عليها السلام، وكان أحياناً يجول حافياً ... يلبس جبة من صوف أو الشعر هي كل متاعه في هذه الدنيا، وكان يابس الشفتين من الجوع والعطش، يأكل الشعير أو مما وجد، ولا يسأل عما فقد، وكان يقلل دائماً من شأن الدنيا في مواعظه.

لم يكن له بيت يخرب إنما يسيح في الأرض ليس له قرار ولا موضع يعرف به، يجوب القرى والمدن داعياً إلى توحيد الله وحده لا شريك له، وإلى الشريعة الحقيقية من ربِّ السماء بعد أن قام بني إسرائيل بتحريف كتب أنبيائهم والتغيير والابتداع في دين وأحكام الله عز وجل. كما أنه نزل ليخفف على بني إسرائيل إصرهم والأغلال التي كانت عليهم (فقد شددوا في دينهم وتمردوا وعصوا فشدد الله عليهم) فجاء المسيح عليه السلام مخففاً (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64)) (الزخرف). وقال سبحلنه وتعالى (وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) (آل عمران 50)، وجاء في تفسير الآية: أن عيسى عليه السلام أحل لهم ما حرم عليهم بذنوبهم ولم يكن مذكوراً في التوراة، نحو أكل الشحوم وكل ذي ظفر. وقيل : إنما أحل لهم أشياء حرمتها عليهم الأحبار ولم تكن التوراة قد حرمتها عليهم، وفيه دلالة على أن عيسى عليه السلام قد نسخ بعض شريعة التوراة وهو الصحيح من القولين، ومن العلماء من قال: لم ينسخ منها شيئاً، وإنما أحلَّ لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله  (رأى عيسى بنُ مريمَ رجلًا يسرقُ، فقال له: أسرقتَ ؟ قال: كلا، واللهِ الذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنتُ باللهِ، وكذبتْ عيني) (صحيح البخاري). أي: صدقت من حلف بالله، وكذبت نفسي فيما ظهر لي؛ لاحتمال أنه محق في ذلك. وهذا يدل على صفاء نفس عيسى عليه السلام وعلى عمق إيمانه وتعظيمه لخالقه.

 

تعميد المسيح عيسى عليه السلام : 

يُسمَّى يحيى عليه السلام عند رجال الدين النصارى بــ : (يوحنَّا)، ويلقبونه (المِعْمِدَان) لأنه كان يعمّد الناس أي يغسلهم في نهر الأردن للتوبة من الخطايا، ويسمى موقع العماد الواقع على نهر الشريعة  "المغطس". وقد ورد أن يوحَنَّا المِعْمِدَان قد عمَّد عيسى (عليهما السلام) في نهر الأردن وبرَّك عليه وهو ابن ثلاثين سنة.

  قال ابن خلدون في تاريخه: ثم جاء يوحنا المعمدان من البرية وهو يحيى بن زكريا، ونادى بالتوبة والدعاء إلى الدين، وقد كان شعيا أخبر أنه يخرج أيام المسيح، وجاء المسيح من الناصرة ولقيه بالأردن فعمده يوحنان وهو ابن ثلاثين سنة. تاريخ ابن خلدون الجزء 2 ص: 167. وننبه القارئ الكريم إلى أن التعميد لو ثبت في الأديان السابقة ومن طرف الأنبياء عليهم السلام، فإنه لا يوجد في شريعة الإسلام التي جاءت خاتمة للرسالات السماوية ومهيمنة عليها وناسخة لها، فمعرفة ذلك لا تنفع وجهله لا يضر، ولا يترتب عليه حكم ولا ينبني عليه عمل.

  مكان التعميد / نهر الشريعة غرب الأردن

 مواقع ومواضيع ذات صلة :

  •  لمزيد من التفاصيل / موقع إسلام ويب / قسم الفتاوى / التعميد عند النصارى.

 http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=58157

 

من مواعظ عيسى عليه السلام :

  • لا يستقيم حبُّ الدنيا وحبُّ الآخرة في قلب مؤمنٍ كما لا يستقيم الماء والنار في إناء.

  • طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر كلما ازداد عطشًا حتى يقتله.

  • مالي وللدنيا ... أنا من أنزل الدنيا منزلتها، بيتي المساجد وطيبي الماء وإدامي الجوع، وسراجي القمر، وصلاتي في الشتاء مشارق الشمس، وريحاني بقول الأرض، ولباسي الصوف، وشعاري خوف رب العزة، وجلسائي الفقراء والمساكين، أصبح وأمسي أنا لا أملك شيئاً وأنا طيِّب النفس غير مكترث فمن أغنى مني وأربح ؟

  • يا ابن آدَم الضعيف اتق الله حيث ما كنت، وكن في الدنيا ضيفاً، واتخذ المساجد بيتاً، وعلِّم عيناك البكاء وجسدك الصبر وقلبك التفكر، ولا تهتم برزق غد فإنها خطيئة  (وكان كثير البكاء عليه السلام).

  • كما أنه لا يستطيع أحدكم أن يتخذ على موج البحر داراً فلا يتخذ الدنيا قراراً.

  • لا يصيب أحد حقيقة الإيمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا ! 

  • طوبى للمؤمن ثم طوبى له كيف يحفظ الله عز وجل ولده من بعده .

  • اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره، ولا أملك نفع ما أرجو، وأصبح الأمر بيدي غيري، وأصبحت مرتهناً بعملي، فلا فقير أفقر مني ؟ اللهم لا تشمت بي عدوي، ولا تسوء بي صديقي، ولا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تُسلِّط عليَّ من لا يرحمني.

  • إذا تصدق أحدكم بيمينه فليخفها عن شماله، وإذا صلَّى فليدن عليه ستر بابه، فإن الله عز وجل يقسم الثناء كما يقسم الرزق.

  • إن عيسى عليه السلام أوصى الحواريين فقال : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله عز وجل فتقسو قلوبكم، وإن القاسي قلبه بعيد عن الله عز وجل ولكن لا يعلم، ولا تنظروا الى ذنوب الناس كأنكم أرباب، ولكن انظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد. والناس رجلان معافى ومُبْتَلى، فارحموا أهل البلاء في بليتهم واحمدوا الله على العافية .

 

الإنجيل .... كتابٌ سماوي :

أرسل الله عز وجل عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل يدعوهم لدين الإسلام وعلّمه التوراة وأنزل عليه كتابًا سماويًا وهو الإنجيل الذي فيه دعوة إلى الإيمان بالله الواحد الأحد خالق كل شيء، وإلى الإيمان بأن عيسى عبد الله ورسوله، جاء في حديث رسول الله قوله (............ وأُنزِلَ الإنجيلُ لثلاثِ عشرةَ ليلةً خلَتْ من رمضانَ ........) (إسناده حسن رجاله ثقات).

وفيه بيان لأحكام الشريعة، وتحريم الرِّبَا وكل ضار للعقل أو البدن وأكل لحم الخنزير، وفيه الأمر بالصلاة والصيام وغير ذلك من أمور الدين، وكان أصل دعوته شيئين: إفرادُ الله بالعبادة والإيمان به أنه نبيّ الله ورسوله، ولم يسمِّ نفسه ابنًا لله فكانت أوّل كلمة أنطقه الله جل جلاله بها وهو في المهد: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ) فقد اعترف بالعبوديّة لله سبحانه وتعالى وحده ربّ كلّ شيء وخالقه.

فحينما تقرأ التوراة أو التلمود لا تجد فيهما ذكراً لليوم الآخر، مع أن اليوم الآخر والإيمان به ركنٌ من أركان الإيمان، لكنهم لماديتهم لا يُصدقون به؛ لذلك لما جاءت رسالة عيسى u جاءت كلها روحانيات لتَجْبُرَ النقص الروحي في اليهودية ولتستوي كفّة الاعتدال في الخَلْق. لذلك لا نجد في الإنجيل شيئاً عن تقنينات المجتمع، فإنْ أرادوا شيئاً من ذلك أخذوه من التوراة، وقد اضطروا - مع ما بينهم من عداء - إلى أنْ يجمعوا التوراة والإنجيل في كتاب واحد هو مجموع العهدين القديم والجديد يسمى (بَيْبِل) وهو لفظ يوناني معناه (الكتاب)، ويكتبون على الغلاف (الكتاب المقدس).

 

لغة عيسى عليه السلام .... وبأي لغة نزل الإنجيل:

 اختلف الباحثون والمتخصصون في علوم الديانات والتاريخ القديم في اللغة التي كان يتحدث بها عيسى بن مَرْيَم عليه السلام. ولكن أجمعوا على أن فلسطين زمن بعثته كان سكانها خليطاً من كل أمة ولسان، وكانوا يتكلمون بدرجات متفاوتة: العبرانية، والآرامية بلهجاتها، والإغريقية واللاتينية. وحين نقرأ سيرة عيسى نجده يخاطب جميع فئات الناس، فمن هذه المعطيات جميعها تبين أن أغلب حديثه عليه السلام كان باللغة الآرامية، وهي اللغة الشعبية التي كانت شائعة أكثر من غيرها، ثم يتلوه حديثه باللغة العبرانية لغة العهد القديم، كما يبدو أنه كان مثقفاً باللاتينية والإغريقية.  

 أما بالنسبة للإنجيل: بِالإضافَةِ إلى أَنَّ الأَناجيلَ المَوجُودَةَ الأَربَعَةَ هِي أَناجيلُ كُتِبَت بَعدَ عِيسى بِفَترَةٍ طَوِيلَةٍ، ولكن معروف لدينا أنَّ الأنبياء كانوا يرسلون بلغة أقوامهم، فعلى الأغلب أن الإنجيل نزل باللغة الآرامية أو السريانية، وترجم فيما بعد إلى اللاتينية والإنجليزية هذا والله تعالى أعلم.

 ولكن لم يأت في شريعتنا ما يوضح هل كان هذا الإنجيل مكتوباً ومجموعاً جميعه في عهد عيسى عليه السلام ؟ ومن الذي كتبه وحفظه ونشره، أم كان المسيح يعلمه الناس مشافهة ثم يتناقله الحواريون ومن آمن به ؟ أم كتب بعضه وترك بعض آخر ؟ فهذه أسئلة قد لا نستطيع أن نجزم فيها بجواب اليوم.

 يقول الشيخ أحمد ديدات: نحن نؤمن بإخلاص بأن كل ما كان يقوله عيسى عليه السلام كان وحياً من الله، وبأنه هو الإنجيل والبشارة إلى بني إسرائيل، وخلال حياته لم يكتب عيسى كلمة واحدة، كما أنه لم يأمر أحداً بالكتابة .

 ولشيخ الإسلام ابن تيمية رأي آخر: لا ريب أن بني إسرائيل هم قوم المسيح عليه السلام وبلسانهم كان المسيح يتكلم، فلم يخاطب أحداً إلا باللسان العبراني، ولم يتكلم لا برومية ولا سريانية ولا يونانية ولا قبطية، فمعلوم باتفاق النصارى أن المسيح لم يكن يتكلم إلا بالعبرية كسائر أنبياء بني إسرائيل.

 وأما الإنجيل الذي بأيديهم فهم معترفون بأنه لم يكتبه المسيح عليه السلام ولا أملاه على من كتبه، وإنما أملوه بعد رفع المسيح. أما الأناجيل الموجودة اليوم فليست هي الإنجيل الحقيقي، ولكن لا ننكر احتوائها على بعض ما أوحاه الله سبحانه إلى المسيح.

فهذه المقالات الأربعة التي يسمونها الإنجيل، وقد يسمون كل واحد منهم إنجيلاً إنما كتبها هؤلاء بعد أن رُفِعَ المسيح، فلم يذكروا فيها أنها كلام الله، ولا أنَّ المسيح بلَّغها عن الله عز وجل، بل نقلوا ودمجوا فيها أشياء من كلام المسيح، وأشياء من أفعاله ومعجزاته، وذكروا أنهم لم ينقلوا كل ما سمعوه منه ورأوه. فكانت من جنس ما يرويه أهل الحديث والسير والمغازي عن النبيمن أقواله وأفعاله التي ليست قرآنا، فالأناجيل التي بأيديهم تشبه كتاب السيرة وكتب الحديث وما شابهها وإن كان غالبها صحيحاً.

  

ما هي الأناجيل الموجودة حالياً:

 أربعة أناجيل وهي:  إنجيل مَــتَّى / إنجيل لوقَـا / إنجيل مَرْقَـصْ / إنجيل يُوحَـــنَّا / واكتشف مؤخراً إنجيلاً خامساً يسمى إنجيل بـرْنَـابَـا.

 لا يختلف النصارى في أنها أربعة تواريخ ألفها أربعة رجال معروفين في أزمانٍ مختلفةٍ : فأول تاريخ أَلَّفَهُ مَــتَّى اللاواني تلميذ المسيح بعد تسع سنين من رفع المسيح عليه السلام، أما إنجيل مَرْقَصْ أُلِّفَ بعد اثنين وعشرين عاماً من رفع المسيح عليه السلام، ثم لُوقَا ثم يُوحَنَّا بعد بضع وستين سنة من رفع المسيح عليه السلام. أما إنجيل بِرْنَابَا فقد كتبه بــِرْنَــابَـا أحد تلامذة المسيح عليه السلام، فكتب كل ما يتعلق بسيرته ومعجزاته وحربه الشعواء على النفاق والمنافقين من أحبار اليهود وضلالهم وهو أقرب الأناجيل إلى الصواب.

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية : أما الأناجيل التي بأيدي النصارى فهي أربعة أناجيل : إنجيل مَــتَّى ومَرْقَـسْ ولُوقَا ثم يُوحَـنَّا، وهم متفقون على أن لوقا ومرقس لم يريا المسيح، وإنما رآه متى ويوحنا وأن هذه المقالات الأربعة التي يسمونها الإنجيل، وقد يسمون كل واحد منها إنجيلاً، إنما كتبها هؤلاء بعد أن رُفِعَ المسيح؛ فلم يذكروا فيها أنها كلام الله ولا أن المسيح بلغها عن الله بل نقلوا فيها أشياء من كلام المسيح وأشياء من أفعاله ومعجزاته. ثم إن هذه الكتب التي كتبت بعد المسيح لم تبق على صورتها هذه التي كتبت عليها أول مرة؛ فقد اختفت النسخ الأولى وفقدت من أيدي الناس مدة طويلة من الزمان.

 ويقول ابن حزم : أما النصارى فلا خلاف بين أحد منهم ولا من غيرهم في أنه لم يؤمن بالمسيح في حياته إلا مائة وعشرون رجلاً فقط ....، وأن كل من آمن به فإنهم كانوا مستترين مخفيين في حياته وبعده، يدعون إلى دينه سراً ولا يكشف أحد منهم وجهه إلى الدعاء إلى ملته ولا يظهر دينه، وكل من ظفر به منهم قتل ....فبقوا على هذه الحالة لا يظهرون ولا لهم مكان يأمنون فيه مدة ثلاثمائة سنة بعد رفع المسيح عليه السلام. وفي خلال ذلك ذهب الإنجيل المنزل من عند الله عز وجل إلا فصولاً يسيرة، إلى أن تنصر قسطنطين الملك فمن حينئذ ظهر النصارى وكشفوا دينهم واجتمعوا وآمنوا .

  هناك كتابان مكملان لبعضهما البعض: (العهد القديم وهو التوراة) هو ما يزعم النصارى أنه كتب فيه ما أوحى الله به للأنبياء قبل ظهور عيسى  عليه السلام، وفيه الحديث عن آدم ونوح وإبراهيم وغيرهم عليهم السلام جميعاً ، كما أنه يحتوي على وصايا وأحكام وبشارة بالمسيح  عليه السلام، وأما (العهد الجديد وهو الإنجيل) فيزعمون أنه مكمل للعهد القديم، وفيه الحديث عن عيسى  عليه السلام وحياته وأعماله وتعاليمه وغير ذلك كُتب ذلك كله بإلهام من الله لكتبته !

 

  ماهو (بَيْبِل /باللاتينية biblia): يطلق على مجموع العهدين القديم والجديد اسم (بَيْبِل)، وهو لفظ يوناني معناه (الكتاب)، ويكتبون على الغلاف الذي يضم كتب العهدين اسم (الكتاب المقدس).

 فالعهد القديم (التوراة) يحتوي على تسعة وثلاثين (39) سِفراً: (سِفر التكوين (سفر الخليقة)/سِفر الخروج/سِفر الأحبار (سفر

 اللاويين)/ سفر العدد/سفر التثنية .وملحقاتها هي: سفر يشوع (يوشع بن نون)/سفر القضاة/سفر راعوث/سفر ملاخي.

 معنى كلمة (إنجيل) : لفظ الإنجيل مختص بهذه الأسفار الأربعة، فيقال لها (الأناجيل الأربعة) وهو لفظ معرب، أصله في اليوناني (إنكليوس)، وفي القبطي (إنكليون)، ومعناه : البشارة والتعليم والخبر السار، لكن الآن يطلق لفظ إنجيل على كتب العهد الجديد.

  •  أسفار العهد الجديد:سبعة وعشرين (27) سِفراً فيما يلي أسماؤها: إنجيل مَتَّى /إنجيل مُرقس/إنجيل لوقا/إنجيل يوحنا .أما ملحقاتها فهي: سفر أعمال الرسل (الإبركسيس)/رسالة بولس إلى أهل رومية/رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس/رؤيا يوحنا اللاهوتي (المشاهدات)، وبهذا يكون مجموع أسفار (بَيْبِل) الكتاب المقدس عند النصارى: على حسب التوراة العبرانية :العهد القديم ( 39 ) + العهد الجديد ( 27 ) = 66 سِفراً .
  • هل الإنجيل كان مكتوباً: لم يأت في شريعتنا شيء في بيان هل كان الإنجيل مكتوبا ومجموعاً في عهد عيسى  عليه السلام، ومن الذي كتبه، ومن الذي حفظه ونشره، أم كان المسيح يعلمه الناس مشافهة، ثم يتناقله الحواريون ومن آمن به ؟ أم كتب بعضه وترك بعض آخر ؟ فهذه أسئلة قد لا نستطيع أن نجزم فيها بجواب اليوم، ولكن الظاهر أن المسيح  عليه السلام يعرف الكتابة والقراءة، ويفهم ذلك من قوله تعالى (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ) (آل عمران48) قال ابن كثير: الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة

  • يقول ابن تيمية: الإنجيل الذي بأيديهم هم معترفون بأنه لم يكتبه المسيح  عليه السلام، ولا أملاه على من كتبه،  وإنما أملوه بعد رفعه . وهناك فرق ظاهر بين الوحي الذي أنزل على موسى والوحي الذي أنزل على عيسى، فقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على كتابة الأول في قوله تعالى:(وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) (الأعراف/145) .

  

المدة الزمنية بين موسى وعيسى عليهما السلام :

 جاء في تفسير القرطبي: واختلف في قدر مدة تلك الفترة، عن ابن عبَّاس  قال: كان بين موسى بن عمران وعيسى بن مَرْيَم عليهما السلام ألف سنة وسبعمائة سنة ولم يكن بينهما فترة وأنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم. وكان بين ميلاد عيسى والنبي  خمسمائة سنة وتسع وتسعون سنة. وقال ابن حجر : وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من ألفي سنة ومدة النصارى من ذلك ستمائة.

 

بشارة الإنجيل بنبيّ آخر الزمان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم :

  • قال عز وجل (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف 6). فلما انتهت النبوة في بني إسرائيل إلى عيسى قام فيهم خطيباً فأخبرهم أن النبوة قد انقطعت عنهم وأنها بعده في النبي العربي الأمِّي خاتم الأنبياء على الإطلاق أحمد.

  • قال عز وجل (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (الأعراف 157).

  • وفي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قال رسول الله  (مكتوبٌ في الإنجيلِ: لا فَظّ، ولا غليظٌ، ولاسَخَّابٌ بالأسواقِ، ولا يَجزي بالسِّيئةِ مثلَها، بل يَعْفو ويصفَحُ) (حسن على الأرجح).

  • وفي الحديث عن أصحاب رسولِ اللهِ  أنهم قالوا (يا رسولَ اللهِ أخبِرْنا عن نفسِك قال دعوةُ أبي إبراهيمَ وبُشرى عيسى ورأت أمي حين حَبَلَتْ كأنه خرج منها نورٌ أضاءتْ له بُصرَى من أرضِ الشامِ) (إسناده جيد).

  • وقال رسولِ اللهِ  (مَنْ أدرَكَ منكم عيسى ابنَ مريَمَ، فلْيُقْرِئْهُ منِّي السلامَ) (حسن).

 

من هم أتباع عيسى عليه السلام :

سار عيسى عليه السلام إلى معظم مدن فلسطين يدعوا بني إسرائيل للتوحيد والتسامح، فأتباعُ عيسى عليه السلام الذين صدّقوه واتبعوه وآمنوا به مسلمين مؤمنين، وكان من أتباعه وتلامذته وصفوته وخاصته "الحواريين وقيل أن عددهم اثني عشر رجلاً " فقد كانوا أعوانه، ينشرون دعوته وشرعه، ويعلّمون الناس الخير وتعاليم الشرع الحنيف الذي أُوحِىَ به إلى عيسى عليه السلام. يقول الله عز وجل (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) (المائدة 111) وقد طلبوا شهادة عيسى ابن مَرْيَم  عليه السلام بإسلامهم تأكيدًا على إيمانهم، لأن الرسل والأنبياء يشهدون يوم القيامة لأقوامهم وعليهم، وفي هذا دليل أيضًا على أن الإسلام والإيمان متلازمان.

ما معنى حواريون: الحواريين هم صفوة الأنبياء الذين قد خلصوا لهم، ولهذا سمي أصحاب عيسى ابن مَرْيَم بذلك لأنهم كانوا أنصاره من دون الناس، ويطلق على ناصر ومؤيد النبي حواريّ إذا بالغ في نصرته تشبيهاً بأولئك.

قال الزَّجَّاج: الحواريون خلصاء الأنبياء عليهم السلام، وصفوتهم، قال: والدليل على ذلك قول النبي  (لكل نبي حواري والزبير حواريي وابن عمتي) (رجاله رجال الصحيح) أي خاصتي من أصحابي وناصري. قال: وأصحاب النبيحواريون. وتأويل الحواريين في اللغة: الذين أُخْلِصوا ونقوا من كل عيب. (كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ) (الصف 14).

 

سبب تسميتهم بالنصارى:

من حيث دلالة اللفظ فالنصارى نسبة إلى:

  •  1) بلدة الناصرة في فلسطين، والتي ولد فيها المسيح عليه السلام فنسب أتباعه إليها.
  • 2) وقيل سموا بذلك لأنهم نصروا عيسى عليه السلام ثم أطلق على كل من ادعى اتباع المسيح تغليباً، قال الله تعالى (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ) (الصف 14) وقال تعالى (قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ) (آل عمران 52).

     

  معجزات عيسى بن مَرْيَم  عليه السلام :

قال عز وجل (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) (النساء 171).

قال عز وجل (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ) (آل عمران 46).

قال عز وجل (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ (49)) (آل عمران).

  • أول وأعظم معجزة هي ولادته من أم بدون أب أي من أنثى بدون ذكر.

  • نطق في المهد رضيعاً ودافع عن أمه (يكلم الناس في المهد).

  • جميع المعجزات التي ذُكِرت في الآيات السابقة تحققت ماعدا معجزة واحدة وهي أنه يكلم الناس (كَهْلاً) فقد كلَّم قومه في المهد حين برأ أمه فقال: (إني عبد الله)، وأما كلامه وهو كهل فإذا أنزله الله عز وجل (آخر الزمان) من السماء أنزله على صورة ابن ثلاث وثلاثين سنة وهو الكهل فيقول لهم إني عبد الله) كما قال في المهد، فهاتان آيتان وحجتان. فنفهم أن فائدة الآية: أنه أعلمهم أن عيسى  عليه السلام يكلمهم في المهد ويعيش إلى أن يكلمهم كهلا. والكهل في اللغة ؟ المعجم الوسيط هو: الكَهْلُ : مَنْ جاوز الثلاثين إلى نحو الخمسين، وهذا فيه تأكيد لسن عيسى عليه السلام عندما رفع وعندما سينزل في آخر الزمان (الثالثة والثلاثين).

  • يُصوِّرُ من الطين شكل طير، ثم ينفخ فيه فيطير عياناً بإذن اللّه عز وجل، فكان يسوي الطين فالنفخ من عيسى والخلق من الله (بِإِذْنِ اللَّهِ). وكان اليهود يؤمنون أن الإنسان جسد بدون روح، فكانت هذه المعجزة بنفخ الروح في الطين ليعلموا أن الجسد موجود والنفخة هي نفخ الروح.

ولكن الفرق بين خلق الله –جلت قدرته- وخلق الإنسان، أن خلق الله يكون من عدم، وخلق الإنسان من موجود (طين)، وإن كان الإثنان على تقدير. فالله جل جلاله يعطيه سر الحياة والحياة فيها نمو، وفيها تكاثر، لكن البشر يصنعون الكوب مثلاً فتظل كوباً، ولا يوجد تكاثر بين كوب ذكر وكوب أنثى ... ولا تنمو ....

  • يُبرِئُ الأكْمَه أي: من يولد أعمى، وذلك أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي.

  • يبرئ الأبرص وهو بياض يعتري الجلد وهو داء معروف ينفر القوم من صاحبه.

  • أوُّلُ من أحيا الموتى بإذن الله، فقيل أنه مرّ ذات يوم على امرأة قاعدة عند قبر وهي تبكي فقال لها: مالك أيتها المرأة؟ فقالت: ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها، وإني عاهدت ربي أن لا أبرح من موضعي هذا حتى أذوق ما ذاقت من الموت أو يحييها الله لي فأنظر إليها. فقال لها عيسى: أرأيت إن نظرت إليها أراجعة أنت؟ قالت: نعم. قالوا فصلى ركعتين، ثم جاء فجلس عند القبر فنادى: يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي. قال: فتحرك القبر ثم نادى الثانية فانصدع القبر بإذن الله؛ ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب، فقال لها عيسى: ما أبطأ بك عني؟ فقالت: لما جاءتني الصيحة الأولى بعث الله لي ملكاً فركب خلقي، ثم جاءتني الصيحة الثانية فرجع إليَّ روحي، ثم جاءتني الصيحة الثالثة فخفت أنها صيحة القيامة فشاب رأسي وحاجباي وأشفار عيني من مخافة القيامة، ثم أقبلت على أمها فقالت: يا أماه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين، يا أماه اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا، يا روح الله وكلمته، سل ربي أن يردني إلى الآخرة وأن يُهوِّن علي كُرَب الموت. فدعا ربه فقبضها إليه واستوت عليها الأرض.

ملاحظة هامة: قوم عيسى كانوا مشهورين بالحكمة والطب، فتجيء الآيات من جنس الحكمة والطب، ثم تتسامى المعجزة، لأن الذي يطبِّبُ جسماً ويداويه لا يستطيع أن يُعيدَ الميت إلى الحياة، لأن الإنسان إذا مات فقد خرج عن دائرة علاج الطبيب. ولذلك رقّى الله آية عيسى  عليه السلام أنه يشفي المرضى ويحيي الموتى أيضاً، وهذا ترق في الإعجاز.

ومسألة إحياء الموتى لم يأخذها عيسى هكذا على إطلاقها فيحيي كل ميت، إنما قام بها وفي وحدات تثبت صدق الآية ولا تعمم مدلول المعجزة كسام بن نوح مثلاً، وعازر، إنها أشياء لمجرد إثبات المعجزة، ولكنها ليست مطلقة، ذلك أنه نبي ورسول من الله فلا يمكن أن يصادم قدر الله في الآجال. ولذلك قالوا إنه عندما أحيا سام بن نوح، أحياه حتى نطق بكلمة، ثم عاد سام إلى الموت.

  • كل الأمور السابقة كانت أموراً عامة للكل. أما الإنباء بألوان الطعام التي يأكلها كل إنسان فهي خاصية أحداث، لأن كل واحد يأكل أكلاً معيناً فيقول له عيسى ابن مَرْيَم ماذا أكل. وليس من المعقول أن يكون عيسى قد دخل كل بيت أو جاءت له أخبار عن كل بيت. وكذلك أمر الادخار، وذلك حتى تنتفي شبهة أنه كان يشم رائحة الإنسان فيعرف لون الطعام الذي يأكله، لذلك كان الإخبار بما يدخر كل واحد في بيته، فهذه مسألة توضح بالجلاء التام أنها آية من إخبار من يعلم مغيبات الأمور.

 

قصة المائدة ... في سورة المائدة:

جاءت سورة كاملة في  قرآننا الكريم بذكر معجزة المائدة التي نزلت على عيسى  عليه السلام و حوارييه (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ (115)).

 هذه المائدة أنزلها الله عز وجل عندما سأله عيسى ابن مَرْيَم ذلك وقد نزلت من السماء بناءً على طلب أصحابه وتلاميذه الحواريين، ليأكلوا منها وتطمئن قلوبهم أن الله تعالى قد قبل صيامهم، وكي تكون عيدًا يفطرون عليها يوم فطرهم.

 

وتفاصيل القصة (في تفسير ابن كثير):

عن ابن عبَّاس  أنه كان يحدث عن عيسى  عليه السلام أنه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا للّه ثلاثين يوماً ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم، فإن أجر العامل على من عمل له، ففعلوا، ثم قالوا: يا مُعَلِّمَ الخير قلت لنا: إن أجر العامل على من عمل له، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوماً ففعلنا، ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوماً إلا أطعمنا حين نفرغ طعاماً، فهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ؟ قال عيسى: اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ..... الآيات السابقة.

لكنه وعظهم وخاف عليهم ألا يقوموا بشكرها، فأبوا إلا سؤالها. فلما ألحوا عليه أخذ يتضرع في الدعاء أن يجيبه الله إلى طلبه ... فاستجاب الله دعاءه وأنزل سبحانه وتعالى مائدة عظيمة من السماء وهم ينظرون إليها تنحدر بين غمامتين (فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء) وجعلت تدنوا قليلاً قليلاً، وكلما دنت كان عيسى  عليه السلام يسأل الله أن يجعلها رحمةً لا نقمةً ... وسلاماً وبركةً، فلم تزل تدنو حتى استقرت بين يديه وهي مغطاة بمنديل، فقام يكشف عنها قائلاً (بسم الله خير الرازقين) فإذا عليها من الطعام سبعة من الحيتان وسبعة أرغفة، وقيل: كان عليها خلّ ورمان وثمار ولها رائحة عظيمة جدًا، حتى وضعتها بين أيديهم ثم أمرهم بالأكل منها كما أمر الفقراء والمرضى وأصحاب العاهات بذلك وكانوا حوالي ألف وثلاثمائة فأكلوا، فبرأ كل من به عاهة أو مرض واستغنى الفقراء أي صاروا أغنياء، فندم من لم يأكل منها ... ثم صعدت للسماء وهم ينظرون إليها حتى توارت عن أعينهم. وقيل: أنها كانت تنزل كل يوم مرة .. فيأكل آخرهم كما يأكل أولهم وكان يأكل منها كل يوم سبعة آلاف شخص. ولكن الله تعالى قَصَرَها على الفقراء دون الأغنياء، فشَقَّ ذلك على الكثير فتكلم منافقوهم في ذلك .. فرِفِعَت ومُسِخَ من تكلم في ذلك. وأمروا أن لا يخونوا، ولا يرفعوا لغد، فخانوا وادخروا ورفعوا فمُسِخوا قردةً وخنازير.

 

حادثة رفع عيسى عليه السلام للسماء :

 سار عيسى عليه السلام إلى معظم مدن فلسطين يدعوا بني إسرائيل للتوحيد والتسامح، وقد التفَّ حوله أصحابه (الذين سموا بالحواريين) وعددهم اثنا عشر فرداً. وعاش جزء لا بأس به من حياته في مدينة الناصرة شمال فلسطين، لكنه عاش في القدس في المراحل الأخيرة من حياته في مكان كنيسة القيامة قبل أن يُرفع للسماء وعمره ثلاث وثلاثون عاماً ليعود آخر الزمان.

 لما بدأ الناس يتحدثون عن معجزات عيسى عليه السلام ...... خاف رهبان اليهود أن يتبع الناس الدين الجديد فيضيع سلطانهم وهيبتهم، فذهبوا لمَلك تلك المناطق وكان تابعاً للروم وقالوا له أن عيسى يزعم أنه مَلك اليهود وسيأخذ المُلك منك، فخاف المَلك وأمر بالبحث عن عيسى عليه السلام لقتله. رفع الله عيسى أمام أعين الحواريين إلى السماء وكان عمره حينها ثلاثة وثلاثين عاماً وأخذ اليهود الشبيه وقتلوه ثم صلبوه. قال I (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158)) (النساء) .

 عقيدتنا نحن كمسلمين أنَّ عيسى عليه السلام لم يُصلَب ولم يُقتَل بل قُبِضَ من الأرض ورُفِع جسداً وروحاً إلى السماء من غير وفاة ولا نوم (كما هو الصحيح عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما) وسينزل إلى الأرض آخر الزمان ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولن يبقَ أحد من أهل الكتاب في ذلك الحين إلا سيؤمن بأنه عبد لله ورسوله حين يراه.

 جاء في الحديث عن سعيد بن جبير رضي الله عنه (عن ابنِ عبَّاس قال لما أراد اللهُ أن يرفع عيسى إلى السماءِ خرج على أصحابِه وفي البيت اثنا عشرَ رجلًا من الحواريِّينَ، يعني فخرج عليهم من عَينٍ في البيتِ ورأسُه يقطُرُ ماءً، فقال: إنَّ منكم من يكفُر بي اثنَتي عشرةَ مرةً بعد أن آمنَ بي، ثم قال: أيُّكم يُلْقَى عليه شَبَهي فيُقتَلُ مكاني ويكون معي في درَجتي، فقام شابٌّ من أَحدَثِهم سِنًّا فقال له اجلِسْ، ثم أعاد عليهم فقام ذلك الشابُّ فقال اجلِسْ، ثم أعاد عليهم فقام الشابُّ فقال: أنا، فقال: أنت هو ذاك، فأُلقِيَ عليه شَبَهُ عيسى، ورُفِعَ عيسى من رَوْزَنَةٍ في البيتِ إلى السماءِ. قال: وجاء الطلبُ من اليهودِ فأخذوا الشَّبَهَ فقتَلوه ثم صلَبوه وكفَر به بعضُهم اثنتَي عشرةَ مرةً بعد أن آمن به. وافترقوا ثلاثَ فِرَقٍ، فقالت طائفةٌ : كان اللهُ فينا ما شاء ثم صعِدَ إلى السماءِ وهؤلاء اليَعْقُوبِيَّةُ، وقالت فرقةٌ : كان فينا ابنُ اللهِ ما شاء ثم رفعه اللهُ إليه وهؤلاءِ النُّسطورِيَّةُ، وقالت فرقةٌ : كان فينا عبدُ اللهِ ورسولُه ما شاء اللهُ ثم رفعه اللهُ إليه وهؤلاءِ المسلمون، فتظاهرَتْ الكافرتانِ على المسلمةِ فقتلوها فلم يزَلِ الإسلامُ طامسًا حتى بعث اللهُ محمدًا ) (إسناده صحيح)، وذلكَ قولهُ تعالى (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف 14). معاني الكلمات: رَوْزَنةٍ: الكُوَّةُ أي النافذة الصغيرة في الحائط.

 أمسك اليهود بالحواريين بعد حادثة رفع المسيح عليه السلام ثم أطلقوهم خشية أن يغضب الناس، وظل الحواريون يدعون بالسر. وظل النصارى على التوحيد أكثر من مائتي عام إلى أن آمن أحد ملوك الروم واسمه قسطنطين، وأدخل الشركيات في الدين.

  من هو قسطنطين : هو إمبراطور روماني يعرف أيضًا باسم قسطنطين العظيم. كان أغلب القادة الكنسيين معجبين بشخصية الإمبراطور قسطنطين الكبير (337 م) وأمه الملكة هيلانة، يتطلعون إليهما كشخصين عظيمين في تاريخ الكنيسة.

 وكان يتحدث عن نفسه كمسيحي غيور، جعل من المسيحية الديانة الرسمية للدولة الرومانية، وأمر بحفظ يوم الأحد، وصادر المعابد الوثنية وحوّل الكثير منها إلى كنائس، وعفا رجال الدين المسيحي من الضرائب. كان حكمه نقطة تحول في تاريخ المسيحية. قام بتحويل بيزنطة إلى روما الجديدة وأعلنها عاصمة رسمية للإمبراطورية الرومانية. وقد تم تغيير اسم المدينة إلى القسطنطينية - على اسمه - بعد موت قسطنطين عام 337م. كما أمر بحفر علامة الصليب على دروع جنوده, كما أمر بأن تتقدم راية الصليب فقط قواته المحاربة في مسيرها لا التماثيل الذهبية كما كان متبعاً من قبل.

 صارت القسطنطينية أول مدينة مسيحية في العالم ولم يسمح ببناء معابد وثنية بها, وقد بقيت عاصمة الإمبراطورية البيزنطية حتى عام 1453م حين فتحها العثمانيون وتم تغيير اسمها إلى إسلام بول .

 من هي الملكة هيلانة : هو والدة الإمبراطور قسطنطين، وكانت متعصبة لدينها، فقامت ببناء العديد من الكنائس، أهمها كنيسة المهد في مدينة بيت لحم مسقط رأس عيسى عليه السلام فوق المغارة التي ولد فيها. كما قامت ببناء كنيسة القيامة في القدس.

 

 كنيسة القيامة (تقع في الحي المسيحي من البلدة القديمة):

 كنيسة القيامة توجد داخل أسوار البلدة القديمة للقدس، وقد بنيت فوق الصخرة التي صلب عليها شبيه المسيح عليه السلام. وبحسب العقيدة المسيحية تحوي الكنيسة المكان الذي دفن فيه واسمه القبر المقدس، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى قيام المسيح من بين الأموات في اليوم الثالث من صلبه حسب زعمهم. وقد بنتها الملكة هيلانة والدة قسطنطين الروم في القرن الثالث.

 وفي العام 15هـ تسلم عمر بت الخطاب رضي الله عنه خليفة المسلمين مفاتيح بيت المقدس من البطريرك صفرونيوس .. وخطب عمر في أهلها قائلا: "يا أهل إيلياء لكم ما لنا وعليكم ماعلينا"... ثم دعاه البطريرك لتفقد كنيسة القيامة فلبى دعوته، وأدركته الصلاة وهو فيها فسأل البطريرك أين أصلي ؟؟ أجابه "مكانك صَلِّ" فقال: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجداً. وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى، وفعلاً جاء المسلمون بعده وبنوا في ذلك المكان مسجداً وهو المسمى الآن (بمسجد عمر). ثم أعطى عمر أهل بيت المقدس عهداً مكتوباً سمي (بالعهدة العمرية)، وتحول اسم القدس منذ ذلك اليوم من إيلياء إلى بيت المقدس.

صورة توضح كنيسة القيامة وبجانبها مسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

 

تقسم البلدة القديمة الى أربعة أحياء هي:

  • الحي الإسلامي: وفيه المسجد الأقصى المبارك.

  • الحي اليهودي: وتم توسيعه بعدما احتل اليهود القدس الشرقية عام 1967م.

  • الحي الأرمني: وهم من الطوائف المسيحية ذو العرق الأرمني (والأرمن شعب شرقي عريق له لغته الخاصة ودولة أرمينيا تقع بين تركيا وإيران وأذربيجان).

  • الحي المسيحي: ويضم أعظم مكان مقدس بالنسبة للمسيحيين و هو كنيسة القيامة.

    فيديو / رحلة المسيح عليه السلام إلى كنيسة القيامة/القدس

 

نفي أن يكون عيسى عليه السلام حصب جهنم:

جاء في الحديث عن ابن عبَّاس  قال رسول الله  لما نزلت (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) قال المشركون: فالملائكة وعيسى وعُزَيْر يُعبَدون من دون الله قال فنزلت (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) (إسناده صحيح والمحدث ابن القيم). فنفى في هذا الحديث الشريف أن يكون عيسى أو العُزَيْر أو الملائكة الكرام حصب جهنم رغم عبادة القوم لهم لأنه ليس لديهم يد في ذلك الأمر.

 تفسير الحديث: قال ابن عبَّاس : آية لا يسألني الناس عنها! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها؛ فقيل : وما هي؟ قال (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) (الأنبياء 98) لما أنزلت شقَّ على كفار قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعرى وأخبروه، فقال : لو حضرته لرددت عليه. قالوا : وما كنت تقول؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى واليهود تعبد عُزَيْرا أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمداً قد خصم؛ فأنزل الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) (الأنبياء 101)، وحَصَب يعني حطب جهنم.

 

حديث ليلة الإسراء والمعراج :

في رواية أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي  قال: (........فأتينا السماءَ الثانيةَ، قيل: من هذا، قال: جبريل، قيل: من معك، قال محمدٌ ، قيل: أُرسِلَ إليه، قال: نعم، قيل: مرحبًا به ولنِعمَ المجيءُ جاءَ، فأتيت على عيسى ويحيى فقالا: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ ..... ) (صحيح البخاري).

 

نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان ... من أشراط الساعة الكبرى (من الأحاديث الشريفة) :

  • (1) عن أبي هريرة قال رسول الله  (والذي نفسي بيدِه، ليُوشِكن أن ينزلَ فيكم ابنُ مريمَ حكمًا عدلًا، فيكسرَ الصليبَ، ويقتلَ الخنزيرَ، ويضعَ الجزيةَ، ويَفيضَ المالُ حتى لا يقبلَه أحدٌ، حتى تكونَ السجدةُ الواحدةُ خيرًا من الدنيا وما فيها. ثم يقولُ أبو هريرةَ : واقرؤوا إن شئتم : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (صحيح البخاري).

  • (2) عن أبي هريرة  قال رسول الله  (طوبَى لعيشٍ بعدَ المسيحِ، طوبى لعيشٍ بعدَ المسيحِ، يؤذَنُ للسَّماءِ في القَطرِ، ويؤذَنُ للأرضِ في النَّباتِ فلو بذرتَ حبَّكَ على الصَّفا لنبتَ، ولا تَشاحَّ ولا تحاسُدَ ولا تباغضَ حتَّى يمرَّ الرَّجلُ على الأسدِ ولا يضرُّهُ، ويطأُ على الحيَّةِ فلا تضرُّهُ، ولا تشاحَّ ولا تحاسدَ ولا تباغضَ) (إسناده صحيح).

  • (3) عن أبي هريرة  قال رسول الله  (كيف أنتم إذا نزل ابنُ مريمَ فيكم، وإمامُكم منكم) (صحيح البخاري).

  • (4) عن كيسان بن عبدالله  قال رسول الله  (ينزلُ عيسَى ابنُ مريمَ عند المنارةِ البيضاءِ بشرقيِّ دمشقَ) (إسناده صالح).

  • (5) عن جابر بن عبدالله  قال رسول الله  (لا تَزالُ طائِفةٌ من أُمَّتي يُقاتِلونَ على الحقِّ ظاهِرينَ إلى يومِ القيامَةِ. قال: فيَنْزِلُ عيسَى ابنُ مَريَمَفيقولُ أميرُهُم: تَعالَ صَلِّ لنا. فيقول: لا إن بَعضَكُم علَى بعضٍ أُمَراءُ، تَكرِمَةَ اللهِ هذه الأُمَّةَ) (صحيح مسلم).

  • (6) عن النواس بن سمعان قال رسول الله  (......... فبينما همْ كذلِكَ إذْ أوحى اللهُ إلى عيسى : إِنَّي أخرجْتُ عبادًا لا يَدَانِ لأحَدٍ بقِتالِهِمْ فحرِّزْ عبادِي إلى الطُّورِ، ويبعَثُ اللهُ يأجوجَ ومأجوجَ، وهم مِنْ كُلِّ حدَبٍ ينسِلُونَ، فيَمُرُّ أوائِلُهُمْ علَى بُحَيْرَةِ طبرِيَّةَ، فيشربونَ ما فيها ويَمُرُّ آخرُهم، فيقولونَ : لقدْ كان بهذِهِ مرَّةً ماءً ! ثُمَّ يسيرونَ حتى ينتَهُوا إلى جبلِ الخمْرِ وهو جبَلُ بيتِ المقدِسِ فيقولونَ لقدْ قتَلْنا مَنْ في الأرضِ، هلُمَّ فلْنَقَتُلْ مَنْ فِي السماءِ، فيرمونَ بنشابِهم إلى السماءِ، فيردُّ اللهُ عليْهِمْ نشابَهم مخضوبَةً دمًا، ويُحْصَرُ نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُهُ، حتى يكونَ رأسُ الثورِ لأحدِهم خيرًا مِنْ مائَةِ دينارٍ لأحدِكُمْ اليومَ، فيرْغَبُ نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُهُ، فيرسِلُ اللهُ عليْهم النغَفَ ............ ) (صحيح).

  • (7) وفي حديث آخر عن النواس بن سمعان قال رسول الله  (......... فبينما هو كذلك إذ بعث اللهُ المسيحَ ابنَ مريمَ. فينزل عند المنارةِ البيضاءِ شَرقَي دمشقَ بين مَهرودَتَينِ، واضعًا كفَّيه على أجنحةِ ملَكَينِ، إذا طأطأَ رأسَه قطر، وإذا رفعه تحدَّر منه جُمانٌ كاللؤلؤ، فلا يحلُّ لكافرٍ يجد ريح َنفسه إلا مات، ونفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفُه. فيطلبه حتى يدركَه ببابِ لُدّ فيقتله، ثم يأتي عيسى ابنَ مريمَ قومٌ قد عصمهم اللهُ منه. فيمسح عن وجوهِهم ويحدثُهم بدرجاتِهم في الجنةِ. فبينما هو كذلك إذ أوحى اللهُ إلى عيسى: إني قد أخرجتُ عبادًا لي، لا يدَانِ لأحدٍ بقتالهم. فحرِّزْ عبادي إلى الطور، ويبعث اللهُ يأجوجَ ومأجوجَ، وهم من كلِّ حدَبٍ ينسِلونَ، فيمرُّ أوائلُهم على بحيرةِ طَبرِيَّةَ فيشربون ما فيها. ويمرُّ آخرُهم فيقولون: لقد كان بهذه مرةً ماءً. ويحصر نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه حتى يكون رأسُ الثَّورِ لأحدِهم خيرًا من مائةِ دينارٍ لأحدِكم اليومَ، فيرغب نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه، فيُرسِلُ اللهُ عليهم النَّغَفَ في رقابِهم، فيصبحون فرْسَى كموتِ نفسٍ واحدةٍ. ثم يهبط نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه إلى الأرضِ، فلا يجِدون في الأرضِ موضعَ شبرٍ إلا ملأه زَهمُهم ونتْنُهم. فيرغب نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه إلى اللهِ، فيرسل اللهُ طيرًا كأعناقِ البُختِ، فتحملُهم فتطرحهم حيث شاء اللهُ، ثم يرسل اللهُ مطرًا لا يَكِنُّ منه بيتُ مَدَرٍ ولا وَبَرٌ، فيغسل الأرضَ حتى يتركها كالزَّلفَةِ، ثم يقال للأرض: أَنبِتي ثمرَك، ورُدِّي بركتَك، فيومئذٍ تأكل العصابةُ من الرُّمَّانةِ ويستظِلُّون بقِحْفِها، ويبارك في الرَّسْلِ. حتى أنَّ اللَّقْحَةَ من الإبلِ لتكفي الفِئامَ من الناس، واللَّقْحَةُ من البقرِ لتكفي القبيلةَ من الناس، واللَّقْحَةُ من الغنمِ لتكفي الفَخِذَ من الناس. فبينما هم كذلك إذ بعث اللهُ ريحًا طيِّبَةً فتأخذُهم تحت آباطِهم فتقبض رُوحَ كلِّ مؤمنٍ وكلِّ مسلمٍ، ويبقى شِرارُ الناسِ، يتهارَجون فيها تهارُجَ الحُمُرِ، فعليهم تقوم الساعةُ " . وفي رواية : وزاد بعد قوله " - لقد كان بهذه، مرة، ماءً - ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبلِ الخمرِ، وهو جبلُ بيتِ المَقدسِ، فيقولون : لقد قتَلْنا مَن في الأرضِ، هَلُمَّ فلنقتلْ مَن في السماءِ، فيرمون بنُشَّابِهم إلى السماءِ. فيردُّ اللهُ عليهم نُشَّابَهم مخضوبةً دمًا") (صحيح مسلم).

 معاني الكلمات للحديثرقم (7) :  مَهرودَتَينِ: المهرودة الحُلَّة أو الثوب المصبوغ بالزعفران يعني لونه بيج مائل للصفرة / جُمانٌ: اللؤلؤ الصغير/ النَّغَفَ: دود يوجد في أنوف الإبل والغنم يسبب موتها / فرْسَى : جمع  فريس وهم القتلى / زَهمُهم : الزهم الريح المنتنة / البُختِ : مفردها البختية وهي الناقة ذات السنامية طويلة العنق / مَدَرٍ : القرى وأمصار / كالزَّلفَةِ : المكان المحفور لحفظ الماء وقيل المرآة / بقِحْفِها : القحف يعني القشر / اللقحةَ : الناقة التي ولدت حديثاً ذات لبن / الفِئامَ : الجماعة الكثيرة / يتهارَجون : يجامعون النساء بوجود الناس.

 

أين يقع جبل الطور والذي ورد في الحديثين السابقين ( 6 و 7) : 

جاء أمر الله عز وجل إلى نبيه عيسى أن (حرِّزْ عبادي إلى الطور): ولم يُنَص على أنه طور مصر الذي كلم الله عز وجل موسى عليه السلام عليه، ولكن من تسلسل الأحداث نرى أنه قد يكون المقصود به طور الشام وهذا ما رجحه القرطبي في المفهم وما أخذ به بعض العلماء المعاصرين لعدة أسباب (والله أعلم):

  • أ) أن عيسى سينزل آخر الزمان عند منارة دمشق البيضاء ثم يتجه لفلسطين وهناك سيقتل الدجال في باب لد أي مدينة اللد.

  • ب) ثم تتوالى الأحداث فيخرج يأجوج ومأجوج فيشربون بحيرة طبرية في شمال فلسطين حتى تجف، فيهرب عيسى عليه السلام والفئة المؤمنة معه إلى جبل الطور (فحرِّزْ عبادِي إلى الطُّورِ)، ثم يتابع يأجوج ومأجوج مسيرتهم (ثُمَّ يسيرونَ حتى ينتَهُوا إلى جبلِ الخمْرِ وهو جبَلُ بيتِ المقدِسِ ... )، فيتوجه عيسى والفئة المؤمنة التي معه لله عز وجل بأن ينجيهم من يأجوج ومأجوج (فيرْغَبُ نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُهُ) فيستجيب الله لدعائهم (فيرسِلُ اللهُ عليْهم النغَفَ ....) ثم تتوالى الأحداث.

  • جـ) بلاد الشام هي أرض المحشر والمنشر ... وهذه من آخر علامات الساعة الكبرى.

 

جبل الطور (جبل الزيتون) في القدس:  

من تضاريس المسجد الأقصى من الشرق وادي قدرون (ويسمى وادي جهنم) قِبَلَ جبل الزيتون (ويسمى جبل الطور)، جبل الزيتون أو قرية الطور (بالعبرية: הר הזיתים، هار هزَيْتيم) والتسمية قديمة جداً من قبل أيام المسيح وأصلها "طور زيتا" أي جبل الزيتون حيث طور بمعنى جبل، هو يقع في أراض القدس الشرقية. كما ويطل هذا الجبل على المسجد الأقصى المبارك ويعتبر أعلى جبال القدس حيث يبلغ ارتفاعه 826 متراً عن سطح البحر، وله أهمية تاريخية ودينية حيث تنتشر فيه كنائس على عصر الفلاسفة وأديرة الصعود لجميع الطوائف المسيحية، حيث أن حسب الكتب المسيحية فإن يسوع المسيح صعد من هذا الجبل إلى السماء (كما يدعون في عقيدتهم المحرفة) وأيضاً فيه مقبرة كبيرة لليهود. وهو الأرجح المقصود في الأحاديث الشريفة والله تعالى أعلم

موقع جبل الزيتون بالنسبة للأقصى المبارك

 

صورة جوية لجبل الزيتون

صورة جوية للقدس والمسجد الأقصى 

تظهر عدة أماكن منها العيسوية، وجبل الزيتون، وراس العامود، وأريحا -في الأفق- وغيرها

 

أو جبل الطور ويسمى جبل طابور وهو :  

الجبل الأعلى في القسم الجنوبي للجليل شمال مرج ابن عامر في شمال فلسطين. يبلغ ارتفاعه حوالي 588 متر فوق سطح البحر، كما أن قمة الجبل واضحة ويستطيع الناظرون رؤيتها من أماكن بعيدة كالجليل والجولان.

خريطة توضح موقع منطقة الجليل في شمال فلسطين  / وصورة لجبل الطور في الجليل

 

  •  (8) وفي الحديث قال رسول الله  (أنَّهُ إذا خرج مسيحُ الضَّلالةِ الأعورُ الكذَّابُ نزل عيسَى ابنُ مريمَ على المنارةِ البيضاءِ شرقيَّ دِمشقَ بين مَهْرودَتَيْنِ، واضعَا يديهِ على منكبيْ ملَكينِ، فإذا رآهُ الدَّجَّالُ انماعَ كما ينماعُ المِلحُ في الماء، فيدركهُ فيقتلهُ بالحَربةِ عندَ بابِ لُدٍّ الشَّرقيِّ على بضع عشرةَ خطواتٍ منه) (صحيح).

          معاني الكلمات: انماعَ : أي ذاب / بابِ لُدٍّ: أي مدينة اللد في فلسطين على بعد 5 كلم شرق الرملة، وعلى بعد 38 كم شمال غرب القدس.

  • (9) عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (دخل علي رسول الله  وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك ؟ قلت: يا رسول الله ذكرت الدجال فبكيت، فقال: رسول الله  إن يخرج وأنا فيكم كفيتموه، وإن يخرج بعدي فإن ربكم عز وجل ليس بأعور، إنه يخرج من يهودية أصبهان حتى يأتي المدينة فينزل ناحيتها ولها يومئذ سبعة أبواب على كل نقب منها ملكان فيخرج إليه شرار أهلها، حتى يأتي الشام مدينة فلسطين بباب لد. قال أبو داود مرة: حتى يأتي مدينة فلسطين) باب لد) فينزل عيسى بن مَرْيَم  عليه السلام فيقتله ويمكث عيسى في الأرض أربعين سنةً إماماً عدلاً وحكماً وقسطاً) (رجاله رجال الصحيح غير الحضرمي بن لاحق وهو ثقة‏‏).

    معاني الكلمات: أصفهان أو أصبهان : هي إحدى مدن إيران ومرکز محافظة أصفهان على بعد 340 كم جنوب طهران.

  • (10) عن حذيفة بن أسيد الغفاري  قال رسول الله  (اطَّلع النبيَّ  علينا ونحن نتذاكر، فقال " ما تذاكرون ؟ " قالوا: نذكر الساعةَ. قال " إنها لن تقومَ حتى ترَون قبلَها عشرَ آياتٍ" فذكر الدخانَ والدجالَ والدَّابةَ وطلوعَ الشمسِ من مغربِها ونزولَ عيسى ابنِ مَرْيَم  ويأجوجَ ومأجوجَ. وثلاثةَ خُسوفٍ: خَسفٌ بالمشرقِ، وخَسفٌ بالمغربِ، وخَسفٌ بجزيرةِ العربِ، وآخرُ ذلك نارٌ تخرج من اليمنِ، تطردُ الناسَ إلى مَحشرِهم ) (صحيح مسلم).

  • (11) عن أبي هريرة  قال رسول الله  ( ............ وإنِّي أولى النَّاسِ بعيسى ابنِ مريمَ لأنَّهُ لم يكن بيني وبينَهُ نبيٌّ، وإنَّهُ نازِلٌ فإذا رأيتُموهُ فاعرِفوهُ، إنَّه رجلٌ مربوعٌ إلى الحمرةِ والبياضِ عليهِ ثوبانِ ممصَّرانِ كأنَّ رأسَهُ يقطرُ ماء وإن لم يصبهُ بللٌ فيدقُّ الصَّليبَ ويقتلُ الخنزيرَ ويضعُ الجِزَى ويدعو النَّاسَ إلى الإسلامِ ويُهلِكُ اللَّهُ في زمانِهِ المسيحَ الدَّجَّالَ ثمَّ تقعُ الأمَنةُ على الأرضِ حتَّى ترتعَ الأسودُ معَ الإبلِ والنِّمورُ معَ البقرِ والذِّئابُ معَ الغنمِ ويلعبَ الصِّبيانُ بالحيَّاتِ فيمكثُ أربعينَ سنةً ثمَّ يُتوفَّى ويصلِّي عليهِ المسلمونَ) (إسناده جيد قوي). (سبق ذكر الحديث في وصف المسيح عليه السلام).

  • (12) عن أبي هريرة  قال رسول الله  (والذي نفسي بيدِه! لَيُهلَّنَّ ابنُ مريمَ بفجِّ الرَّوحاءِ، حاجًّا أو معتمرًا، أو ليُثنِّينَهما) (صحيح مسلم).

          معاني الكلمات:  فجِّ الرَّوحاءِ: هو مكان بين مكة والمدينة يَبعُد عن المدينةِ قُرابَةَ ثمانيةٍ وخَمسين كِيلومترًا أو أي ما يعادل ستةٌ وثلاثون مِيلًا، وكان طريق رسول الله  إلى بدر وإلى مكة عام الفتح وعام حجة الوداع ليُثنِّينَهما: أي بحج ويعتمر معاً.

 خلاصة الأحاديث السابقة:

 نزول عيسى بن مَرْيَم عليه السلام من علامات الساعة الكبرى (وهو الآن حي ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون)، ولن تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مَرْيَم عند المنارة الشرقية البيضاء في الجامع الأموي بدمشق، فينزل من السماء على جناحي ملك  فيكسر الصليبويقتل الخنزير، والمقصود بكسر الصليب: أي يبطل دين النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقةً ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه، وقتل الخنزير هو: قتل الحيوان المعروف حقيقة، أي يحرم اقتناءه وأكله ويبيح قتله. ثم يضع الجزية عن أهل الكتاب، ويصلي مأموماً خلف أحد أئمة هذه الأمة ويعم الرخاء ويفيض المال. ويقول الثعالبي: وأجمعت الأمةُ على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى عليه السلام في السماء حي، وأنه ينزل في آخر الزمان، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقتل الدجَّال ويفيض العدل، ويُظهر هذه الملة ملةَ محمد ، ويحج البيت ويعتمر.

 وقال ابن باز: الأحاديث الواردة في دفن عيسى ابن مَرْيَم عليه السلام في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزوله آخر الزمان وموته كلها ضعيفة، وما رواه الترمذي عن عبد الله بن سلام أنه مكتوب في التوراة ذلك فهو حديث ضعيف (والله تعالى أعلم).

   

المسجد الأموي أو جامع بني أمية الكبير في دمشق:

 من روائع الفن المعماري الإسلامي، له تاريخ حافل في الحضارات. فقد  كان سوقاً ثم تحول في العهد الروماني إلى معبد في القرن الأول الميلادي، ثم إلى كنيسة (كنيسة مار يوحنا المعمدان). ولما دخل المسلمون إلى دمشق صار نصفه مسجداً ونصفه كنيسة. ثم قام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بتحويل الكنيسة إلى مسجد وأعاد بناءه من جديد.

 وقد ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: أما بالنسبة للمنارة البيضاء: لقد تجدد بناء المنارة في زماننا في سنة سبعمائة وإحدى وأربعين 741هـ من حجارة بيض، وكان بناؤها من أموال النصارى الذين حرقوا المنارة التي كانت مكانها، فينزل عليها عيسى ابن مَرْيَم عليه السلام فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ولا يقبل منهم جزية، ولكن من أسْلَمَ قَبِلَ من إسلامه، وإلاّ قتل، وكذلك حكم سائر كفار الأرض يومئذٍ.

 

  فيديو / المنارة البيضاء في دمشق

ما هي وظائف عيسى عليه السلام : 

  •  الحالة الأولى : قبل رفع الله عز وجل له لما أراد اليهود صلبه: فوظائفه في ذلك الوقت كوظيفة أي نبي اُمر بتبليغ الرسالة، وآتاه الله الإنجيل مصدقاً للتوراة، وأعطاه من المعجزات – كما ذكرناها سابقاً- فدعا قومه إلى عبادة الله وتوحيده وطاعته وكان شهيداً عليهم طيلة مقامه ولبثه فيهم.
  • الحالة الثانية : في آخر الزمان عندما ينزله الله عز وجل إلى الأرض:

  

ما هي الوظائف التي يقوم بها عيسى عليه السلام إذا نزل إلى الأرض ؟ 

  •  يدعو إلى دين الإسلام ويحكم بشريعته، وهذا معنى قوله سبحانه وتعالى (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ). 
  • الحج أو العمرة أو يجمع بينهما؛ لقول رسول الله  (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ .....)، وإننا نؤمن بذلك كلِّه؛ لأن رسول الله  هو الذي أخبر به.

  • يضع الجزية: لا يقبل من أهل الكتاب إلا الإسلام.

  • يكسر الصليب: يكسر الصليب حقيقةً ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه.

  • يقتل الخنزير: أي قتل الحيوان المعروف حقيقةً، بمعنى: يحرم اقتناءه وأكله ويبيح قتله.

  • يحكم بالعدل.

  • تنزل البركة من الله حتى إن الناقة ليكفي لبنها العدد الكثير من الناس ويفيض المال.

  • يقتل الدجال، فإنَّ عيسى عليه السلام يطلبه ويلحقه بباب لد، فإذا رآه الدجال ذاب فيطعنه عيسى عليه السلام برمحه.

  • وفي زمنه يخرج يأجوج ومأجوج، ويعيثون في الأرض فساداً فيدعو الله عز وجل أن يخلِّص الناس من شرهم فيهلكهم الله عز وجل جميعاً.

  • ثم يموت عليه السلان ويصلي عليه المسلمون، ثم يرسل الله ريحاً باردةً فتقبض روح كل مؤمن، فلا يبقى بعد ذلك إلا شِرار الناس وعليهم تقوم الساعة.

  

ما الحكمة من نزول عيسى عليه السلام ؟

 ذكر أهل العلم ثلاث حكم لذلك :

  • الأولى : إبطال عقيدة التثليث والصلب بكسر الصليب ودعوته للإسلام.
  • الثانية : إبطال دعوى اليهود في زعمهم أنهم قتلوه، وإبطال دينهم بدعوته للإسلام، فينزل ويقتل زعيمهم الدجَّال.

  • الثالثة : قضى سبحانه وتعالى أنَّ كلَّ مخلوقٍ يجب أن يُدفن في الأرض )مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) (طه 55).

 

فما حال الناس إذا نزل فيهم عيسى عليه السلام ؟

الجواب يأتي من رسول الله  إذ يقول: ( ثُمَّ يُقَالُ – بعد هلاك يأجوج ومأجوج-  لِلْأَرْضِ أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ. فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنْ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنْ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنْ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنْ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنْ النَّاسِ) (صحيح).

 

كم يمكث عيسى عليه السلام بعد نزوله ؟

ثبت في صحيح مسلم أنَّ رسول الله  بين أنه يمكث سبع سنين، وسبق ذكر الحديث: (.... فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ)، ولا يمكن أن يقع تعارض في حديث رسول الله ، فلما رُفع عيسى عليه السلام كان له من العمر ثلاث وثلاثون سنة، ثم ينزل فيمكث سبع سنين، فتكون جملة السنوات التي مكثها أربعين عاما. قال رسول الله  (يدخلُ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ على طولِ آدَم ستينَ ذراعًا بذراعِ الملَكِ، على حُسنِ يوسفَ، وعلى ميلادِ عيسى ثلاثٍ وثلاثينَ سنةً، وعلى لسانِ محمدٍ، جُرْدٌ مُرْدٌ مُكحلُونَ) (الإسناد صحيح).

ذكرنا أنه لما رُفع عيسى عليه السلام كان له من العمر ثلاث وثلاثون سنة، ومن الإعجاز في ذلك عندما ذكرت قصته في سورة مَرْيَم كان رقم الآية التي ذكرت ذلك 33 (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً (33)) (مَرْيَم).

 

كيف نجمع بين: نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نبي بعدي ؟

في التعليق على قول رسول الله  (أنت مني بمنزلةِ هارونَ من موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي) (صحيح مسلم).

  • قال العراقي: أي يَنْزِلُ حَاكِمًا بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ لَا نَبِيًّا بِرِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَشَرِيعَةٍ نَاسِخَةٍ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تُنْسَخُ، وَلَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ بَلْ هُوَ حَاكِمٌ مِنْ حُكَّامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

  • وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية: رفع عيسى ابن مَرْيَم حيَّاً إلى السماء ونزوله نبياً رسولاً؛ وذلك امتداداً لنبوته ورسالته قبل رفعه، لكن لا يدعو إلى شريعته بل يدعو إلى أصول الإسلام التي دعا إليها الأنبياء والمرسلون جميعاً، وإلى الفروع التي جاء بها خاتم الرسل محمد ، فليست نبوة ورسالة جديدة حتى تتنافى مع ختم النبوات. قال رسول الله  (أنَّ عيسى يُصلِّي خلفَ إمامِ هذه الأُمَّةِ) (ثابت).

 

نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان ... من أشراط الساعة الكبرى (من القرآن الكريم) :

  • (1) قال سبحانه وتعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (النساء 159). قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما في الآية: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى، يقول ابن كثير: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى، وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة، فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم لأنه يضع الجزيةَ ولا يقبل إلا الإسلام.

  • (2) قال سبحانه وتعالى (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (الزخرف 61). لَعِلْمٌ: أي نزوله علامة من علامات الساعة، قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: هُوَ خُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وقال القرطبي: وقرأ ابن عبَّاس رضي الله عنهما (في قراءة أخرى): وإنه لعَلَمٌ للساعة أي بفتح العين واللام أي : أَمَارَة وعلامة ودليل.

  • (3)قال سبحانه وتعالى (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ) (مَرْيَم 46). فأما كلامه في المهد فقد فصلناه سابقاً، وأما كلامه حال كهولته فعندما ينزل آخر الزمان. قال الطبري: كلَّمَهم عيسى في المهد وسيكلمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذٍ كهل، وقال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: أي بعد نزوله من السماء.

 

اختلاف الأحزاب في أمر عيسى ابن مَرْيَم عليهما السلام:

اختلف أهل ذلك الزمان ومن بعدهم في أمر عيسى ابن مَرْيَم عليهما السلام، قال سبحانه وتعالى (فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (مَرْيَم 37)،. وقال سبحانه وتعالى (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) (مَرْيَم 34). وعن عبادة بن الصامتقال رسول الله  (من شهدَ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبدُه ورسولُه، وأن عيسى عبدُ اللهِ ورسولُه، وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه، والجنةُ حقٌّ والنارُ حقٌّ، أدخله اللهُ الجنةَ على ما كان من العملِ) (صحيح البخاري) .

 

تفرقوا إلى ثلاثة أحزاب:

  • 1) قالت اليهود: إنه ولد زنا، واستمروا على كفرهم وعنادهم وبالغوا في ذَمِّهِ وذَمِّ أمِّه قاتلهم الله جل جلاله. قال سبحانه وتعالى (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً) (النساء 156).

  • 2) وقابلهم آخرون في الكفر وهم النصارى فقالوا: هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة، فبالغت في إطرائه بما ليس فيه حتى جعلته إلهاً. عن عمر بن الخطابقال رسول الله  (لا تُطرونِي كما أَطرتِ النصارى عيسى ابن مريمَ فإنّما أنا عبدُ اللهِ ورسوله) (إسناده صحيح).

  • 3) أما المؤمنون قالوا : هو عبد الله ورسوله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مَرْيَم وروح منه، وهذا قول الحق الذي أرشد إليه المؤمنين. وذلك قوله عز وجل (فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف 14). جاء في الحديث الشريف قول رسول الله  عن ابن عبَّاس  ( ................. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسًا حتى بعث الله محمدا فأنزل الله عليه (فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) يعني الطائفة التي آمنت في زمن عيسى (وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ) يعني التي كفرت في زمن عيسى (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا) في زمن عيسى بإظهار محمد دينهم على دين الكافرين) (رجاله رجال الصحيح ورويت قصته عليه السلام من طرق بألفاظ مختلفة).

  

آراء الكفار واختلافهم في عيسى بن مَرْيَم عليهما السلام قد انقسمت إلى ثلاث طوائف كالتالي:

 جاء في حديث رسول الله  الذي رواه سعيد بن جبيرعن ابنِ عبَّاس  قال: ( ....................  وافترقوا ثلاثَ فِرَقٍ، فقالت طائفةٌ : كان اللهُ فينا ما شاء ثم صعِدَ إلى السماءِ وهؤلاء اليَعْقُوبِيَّةُ، وقالت فرقةٌ : كان فينا ابنُ اللهِ ما شاء ثم رفعه اللهُ إليه وهؤلاءِ النُّسطورِيَّةُ، وقالت فرقةٌ : كان فينا عبدُ اللهِ ورسولُه ما شاء اللهُ ثم رفعه اللهُ إليه وهؤلاءِ المسلمون، فتظاهرَتْ الكافرتانِ على المسلمةِ فقتلوها فلم يزَلِ الإسلامُ طامسًا حتى بعث اللهُ محمدًا ) (إسناده صحيح).

  (1) الفئة الضالة الأولى: التي ادَّعت -ظلماً وزوراً- أن المسيح ابن الله عز وجل، قال سبحانه وتعالى (وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) (التوبة 30). وهؤلاءِ النُّسطورِيَّةُ.

 -       دَليلُ إِبْطَالِ الادِّعاءِ:

  •  قال سبحانه وتعالى (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)) (مَرْيَم).
  • قال سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) ) (الإخلاص).

  • قال سبحانه وتعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93)) (مَرْيَم).

  

 (2) الفئة الضالة الثانية: التي ادَّعت -ظلماً وزوراً- أن المسيح هو الله عز وجل، قال سبحانه وتعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (المائدة 17) وهؤلاء اليَعْقُوبِيَّةُ.

 -       دَليلُ إِبْطَالِ الادِّعاءِ:

  •  قال سبحانه وتعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)  (المائدة 17).
  • قال سبحانه وتعالى (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) (المائدة).

  

(3) الفئة الضالة الثالثة: التي ادَّعت -ظلماً وزوراً- أن المسيح هو الله وهو ثالث ثلاثة (الأب والأم وروح القدس جبريل)، قال سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) (المائدة 73).

 -       دَليلُ إِبْطَالِ الادِّعاءِ:

  •  قال سبحانه وتعالى (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ)  (النساء 171).

  • قال سبحانه وتعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)) (المائدة).

 

تفسير اللَّاهُوت والنَّاسُوت الموجود في عقيدة النصاري :

 معنى: اللَّاهُوت: هو الجزء الإلهي من طبيعة المسيح، والنَّاسُوت: هو الجانب الإنساني. فالتعبير عن اللَّاهُوت يقصد به روح المسيح أما جسده فهو والنَّاسُوت.

 فهم يزعمون بقول: عندما قال المسيح للميت قم، هذا الجانب اللاهوتي، لكن لما صُلِبَ – بزعمهم - كان يتكلم فيه الجانب النَّاسُوتِي، فلما صُلِبَ وقُتِلَ مات الجانب النَّاسُوتِي بموت جسده وبقي الجانب اللَّاهُوتي، لذا اختلفوا في ألوهيته. ونؤكد على أن هذا من خرافاتهم، فهو مرة إله يأمر وينهى، ومرة يشكو إلى الإله أنه تركه ! تعالى الله جل جلاله عما يشركون وعما يصفون! 

 

القول الحق في شأن عيسى ابن مَرْيَم عليه السلام :

  • 1) قال سبحانه وتعالى (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)) (المائدة)، عن أبي هريرةأن رسول اللهقال (يُلقَّى عيسى حجَّتَهُ فلقَّاهُ اللَّهُ في قولِهِ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ أبو هريرةَ عنِ النَّبيِّ : فلقَّاهُ اللَّهُ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ الآيةَ كلَّها) (إسناده صحيح).

جاء على لسان عيسى ابن مَرْيَم عليه السلام : إن تعذِّبهم بما فعلوا من تبديل وتغيير فإنهم عِبادُك، وتتصرف فيهم كما تريد، وإن تعفُ عنهم فإنك وحدك مالِكُ أمرِهم، والقاهر الذي لا يُغلَب. ومهما تدفعه من عذاب فلا دافع له من دونك، ومهما تمنحهم من مغفرة فلا يستطيع أحد حرمانهم منها بحَوْلِك وقوّتك، لأنك أنت العزيز الحكيم الذي لا يُغلب ويضع كل شيء موضعه. وفيه براءة عيسى عليه السلام منهم ورد المشيئة فيهم إلى اللّه عز وجل.

كما جاء في الحديث عن عبدالله بن عمرو  (أنَّ النبيَّ  تلا قولَ اللهِ عز وجل في إبراهيمَ: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (إبراهيم 36)  الآية وقال عيسى عليه السلام: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) (المائدة 118) فرفعَ يديهِ وقال اللهمَّ ! أُمَّتي أُمَّتي وبكى. فقال اللهُ عز وجل : يا جبريلُ ! اذهب إلى محمدٍ، - وربُّكَ أعلمُ -، فسَلهُ ما يُبكيكَ ؟ فأتاهُ جبريلُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فسَألهُ.فأخبرهُ رسولُ اللهِ  بما قالَ، وهو أعلمُ. فقال اللهُ : يا جبريلُ ! اذهبْ إلى محمدٍ فقلْ : إنَّا سنُرضيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُكَ) (صحيح مسلم) .

  • 2) قال سبحانه وتعالى (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)  (آل عمران 49)، يخبرنا القرآن الكريم أن عيسى رسولٌ من عند الله عز وجل، أرسله إلى بني إسرائيل وأيَّده بالمعجزات الباهرات؛ لتكون دليل صدق على ما جاءهم به من الحق، وما جاء به عيسى لم يكن بدعاً من الرسل، بل جاء مصدقاً لما سبق من الكتب والرسل.

  • 3) قال سبحانه وتعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (المائدة 110)، يخبرنا القرآن الكريم بما امتن به على رسوله عيسى عليه السلام وأمه مَرْيَم البتول من النعم.

  • 4) قال سبحانه وتعالى (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ)  (المائدة 75)، يخبرنا القرآن الكريم بقوله: كانا يأكلان الطعام، أي يحتاجان إلى التغذية وإلى خروج الغذاء أيضاً (بإخراج الفضلات)، فهما عبدان كسائر الناس، وليسا إلهين كما زعمت فرق النصارى الجهلة. 

  • 5) قال سبحانه وتعالى (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ)  (الصف 6)، يخبرنا القرآن الكريم أيضاً بإثبات ودليل على لسان عيسى أنه رسول الله إلى بني إسرائيل. 

  • 6) قال سبحانه وتعالى (لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً)  (النساء 172)، قال ابن عبَّاس : لن يستكبر المسيح عيسى بن مَرْيَم أن يكون عبداً لله عز وجل. 

  • 7) قال سبحانه وتعالى (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) (المائدة 17)، فالمسيح وأمه مخلوقان محدودان محصوران، ولا أحد يحميهما من قدرة الله سبحانه وتعالى.

  • 8) قال سبحانه وتعالى (إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ)  (الزخرف 59)، فالمسيح عيسى عليه السلام ما هو إلا عبد من عباد اللّه عز وجل أنعم اللّه عليه بالنبوة والرسالة، وجعله الله مثلاً لبني إسرائيل ودلالة وحجة وبرهاناً على قدرته جل جلاله.

  • 9) قال سبحانه وتعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (60))  (آل عمران)، قال المفسرون: إنّ وفد نجران قالوا لرسول الله : مالك تشتم صاحبنا ؟ قال: وما أقول ؟ قالوا: تقول: إنه عبد، قال: أجل إنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى العذراء البَتُول. فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنساناً قط من غير أب ؟ فإن كنت صادقاً فأرنا مثله. فأنزل الله عز وجل هذه الآية.

 

ما المقصود بالمُبَاهَلَة وما هي الآية الدالة عليه : 

المُبَاهَلَة: هي المــُـلاعَنَة، والمقصود منها أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء، فيقولوا : لعنة الله على الظالم منا.

وآية المُبَاهَلَة في القرآن الكريم هي قوله عز وجل (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)) (آل عمران).

 وكان سبب نزول هذه الآية : أن وفد نصارى نجران حين قدموا المدينة جعلوا يُجادلون في نبي الله عيسى عليه السلام، ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والإلهية. وقد تصلبوا على باطلهم، بعدما أقام عليهم النبي  البراهين بأنه عبد الله ورسوله، أمره الله عز وجل أن يُبَاهِلَهُم، فدعاهم رسول الله  إلى المُبَاهَلَة، بأن يحضر هو وأهله وأبناؤه، وهم يحضرون بأهلهم وأبنائهم، ثم يدعون الله عز وجل أن ينزل عقوبته ولعنته على الكاذبين.

فأحضر النبي  علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهما وقال: هؤلاء أهلي، فتشاور وفد نجران فيما بينهم: هل يجيبونه إلى ذلك ؟ فاتفق رأيهم أن لا يجيبوه؛ لأنهم عرفوا أنهم إن بَاهَلُوه هلكوا هم وأولادهم وأهلوهم، فصالحوه وبذلوا له الجزية، وطلبوا منه الموادعة والمهادنة، فأجابهم  لذلك. 

والمُبَاهَلَة مبناها على العدل، فأولئك أيضاً يحتاجون أن يدعوا أقرب الناس إليهم نسباً، وهم يخافون عليهم ما لا يخافون على الأجانب، ولهذا امتنعوا عن المباهلة لعلمهم (في قرارة أنفسهم وإن لم يقروا بذلك علناً) بأن رسول الله  على الحق وأنهم إذا باهلوه حقت عليهم بُهْلة الله، وعلى الأقربين إليهم.

عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله  قال (لما أنزل اللهُ هذه الآيةُ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ الآية دعا رسولُ اللهِ  عليًّا وفاطمةَ وحسَنًا وحُسينًا، فقالَ: اللَّهمَّ هؤلاءِ أَهلي) (إسناده صحيح).

 

الرهبانية في الدين المسيحي ... ومادية اليهود .... والدين الإسلامي الوسطي:

قال سبحانه وتعالى (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد 27). فالذي أُخذ عليهم ليس الرهبانية، إنما أُخذ عليهم أنهم ما رَعوْهَا حَقَّ رعايتها، وما دامت اليهودية بالغتْ في المادية، وجاءت المسيحية روحانية صِرفة ليس فيها شيء قوانين تنظيم المجتمع، كان لا بدَّ من إصلاح الحالتين، فاحتاجت حركة الحياة لدين جديد ورسالة جديدة تراعى الجانبين الروحاني والمادي، فكانت رسالة الإسلام.

هكذا جمعتْ أمة الإسلام بين الروح والمادة، فالمسلم لم يُطبع على الشدة، ولم يُطبع على الرحمة، بل يُشكِّله الموقف، لكن أشداء على مَنْ ؟ ورحماءُ لمنْ ؟

وتأمل دقة التعبير القرآني في إعطاء مَثَل لأمة الإسلام في التوراة وفي الإنجيل:

  • فلأن اليهود كانوا قوماً ماديين أعطاهم الجانب الروحي في الإسلام: (تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ( (الفتح 29).

  • أما في الإنجيل فذكر الجانب المادي في الإسلام: (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ ( (الفتح 29).

فكان الإسلام الذي يجمع بين المادية والروحانية هو المنهج المناسب الصالح لقيادة حركة الحياة، فالروحانية لا تستقيمُ أبداً بدون المادية، والماديات لا تدوم بدون الروحانيات، فنرى أعلى نسبة انتحار في العالم موجودة في الدول الغنية المرفهة، فكان الإسلام والوسط وكان قرآنه مهيمناً على الكتب السابقة ( وَمُهَيْمِناً عَلَيْه)  (المائدة 48).

 

قصة وخبر أصحاب الكهف :

ذكر الله سبحانه وتعالى قصتهم في القرآن الكريم: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً (10) ................ ) (سورة الكهف 9 – 22).

كان أصحاب الكهف فتية من أتباع عيسى ابن مَرْيَم آمنوا بربهم كما وصفهم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، والرَّقِيم هو الكتاب أو اللوح أو حجر كان على باب الكهف كان الفتية قد كتبوا فيه خبرهم وقصصهم أو رُقِم عليه أسماءهم.

أما عدد الفتية فقد اختلف القوم فيهم، منهم مَنْ قال: ثلاثة رابعهم كلبهم. ومنهم مَنْ قال: خمسة سادسهم كلبهم، وعلَّق الحق سبحانه على هذا القول بأنه (رَجْماً بِالْغَيْبِ) مما يدلُّنا على خطئه، ومنهم مَنْ قال: سبعة وثامنهم كلبهم، ولم يعلق القرآن على هذا الرأي مما يدُّل على أنه الأقرب للصواب.

قال كثير من المفسرين: كانوا في زمن ملك يقال له دقيانوس، وكانوا من أبناء الأكابر، واتفق اجتماعهم في يوم عيد لقومهم، فرأوا قومهم يسجدون للأصنام ويعظمون الأوثان، فكشف الله عن قلوبهم الغفلة، وألهمهم رشدهم، فعلموا أن قومهم ليسوا على شيء، فخرجوا عن دينهم، وانتموا إلى عبادة الله وحده لا شريك له وكانت شريعتهم على شريعة عيسى ابن مَرْيَم عليه السلام الصحيحة.

فلما بلغ الملك عن الفتية ومخالفتهم إياه في دينه طلبهم، فهربوا منه فرارًا بدينهم حتى صاروا إلى جبل فدخلوا كهفًا فيه فقالوا: نبيت هاهنا الليلة ثم نصبح إن شاء الله فترون رأيكم، فضرب الله على آذانهم، فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف، فكلما أراد رجل أن يدخل أُرْعِب فلم يطق أحد منهم الدخول، قال قائل: أليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم، قال: بلى، قال: فابن عليهم باب الكهف فدعهم فيه يموتوا عطشًا وجوعًا ففعل الملك.

فغبروا بعدما بُني عليهم باب الكهف زمانًا بعد زمان، ثم إن راعيًا أدركه المطر عند الكهف، فقال: لو فتحت هذا الكهف فأدخلت غنمي من المطر، فلم يزل يعالجه حتى فتحه، وردّ الله تعالى إليهم أرواحهم قي أجسادهم من الغد حتى أصبحوا، فبعثوا أحدهم بورقٍ – دراهم فضة مضروبة – ليشتري لهم طعامًا فكلما أتى باب مدينتهم رأى شيئًا ينكره حتى دخل على رجل، فقال له: بعني بهذه الدراهم طعامًا، قال: ومن أين لك هذه الدراهم! قال: خرجت وأصحابًا لي أمس فآوانا الليل حتى أصبحوا فأرسلوني فقال: هذه الدراهم كانت على عهد الملك فلان، فأنى لك بها! فرفعه إلى الملك وكان ملكًا صالحًا فقال: من أين لك هذه الورِق ؟ قال: خرجت أنا وأصحابًا لي أمس حتى أدركنا الليل في كهف كذا وكذا، ثم أمروني أن أشتري لهم طعامًا، قال له: وأين أصحابك؟ قال: في الكهف، قال: فانطلقوا معه حتى أتوا باب الكهف، فقال: دعوني أدخل إلى أصحابي قبلكم، فلما رأوه ودنا منهم ضُرب على أذنه وآذانهم، فجعلوا كلما دخل رجل أرعب، فلا يقدروا على أن يدخلوا إليهم فبنَوا عندهم مسجدًا يصلون فيه.

وجاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله  قال (من قرأَ سورةَ الكَهْفِ كانت لهُ نورًا يومَ القيامةِ مِن مقامِه إلى مكَّةَ، ومَن قرأ عشرَ آياتٍ مِن آخرِها ثمَّ خرجَ الدَّجالُ لَم يضرَّهُ  .... ) (رواته رواة الصحيح).

 

فوائد من قصة نبي الله عيسى عليه السلام :

  • 1) قِبْلَة النصارى مَشْرِقَ الشمس:  فالذين قبلتهم المشرق دائماً: هم طوائف من النصارى ! وليسوا المسلمين .قال الله سبحانه وتعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) (البقرة 177). وقال الله سبحانه وتعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (البقرة 145).

- قال الإمام الطبري: (وما أنتَ بتابع قِبلتهم)، أي وما لك من سبيل يا محمد إلى اتّباع قبلتهم، وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس بصلاتها، وأن النصارى تستقبل المشرقَ! فأنَّى يكون لك السبيل إلى اتباع قِبلتهم مع اختلاف وجوهها ؟ فالزم قبلتَك التي أمِرت بالتوجه إليها، ودعْ عنك ما تقولُه اليهود والنصارى وتدعُوك إليه من قبْلتهم واستقبالها .

- وقال ابن قدامة: النصارى يستقبلون جهة المشرق، واستقبال النصارى جهة المشرق هو من تحريفهم لدينهم ومخالفتهم للمسيح والإنجيل.

- وقال الشيخ صالح الهاشمي: فضيحة أخرى: النصارى يصلُّون إلى مشرق الشمس، ويتّخذونها قبْلتهم، وقد كان المسيح عليه السلام طول مقامه يصلي إلى قبلة (بيت المقدس) قبلة موسى بن عمران والأنبياء. وقال المسيح عليه السلام : (إني لم آتِ لأنقض التوراة، بل لأكملها)، غير أن النصارى خالفوا المسيح والأنبياء، والسبب في توجههم إلى المشرق لأنه الجهة التي صلب إليها ربّهم، وقتل فيها إلههم. فيقال لهم :يا حمقى ! لو كنتم أولي ألباب لَمَقَتُّم جهة المشرق وأبغضتموها، وتَطَيَّرتم بها ورفضتموها في أمور العادة، فضلاً عن العبادة؛ وذلك لأنها الجهة التي لم يصلِّ إليها المسيح، ولا شهدت لها الأناجيل، ولا صَلَّى إليها نبي من الأنبياء البتة، ثم إنها الجهة التي تشتت بها شملكم، وبددت كلمتكم، وفرقت جموعكم، فتعظيمكم لهذه الجهة التي هي أشأم الجهات عليكم.

- وعن ابن عبَّاس  قال: إن أهل الكتاب كتب عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه، وما صرفهم عنه إلا قول الله عز وجل (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً) (مَرْيَم 16)، قال: خرجت مَرْيَم مكاناً شرقياً فصلوا قِبَلَ مطلِعَ الشمس "رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وهذه هي العلة في توجه النصارى جهة المشرق". وعنه قال: إني لأعلمُ خلقِ اللّهِ لأيِّ شيءٍ اتخذت النصارى المشرقَ قبلةً، لقول اللّه عز وجل عز وجل (فذكر الآية) واتخذوا ميلاد عيسى قِبْلَة.

- وقوله: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) قيل : أشار سبحانه بذكر المشرق لأنها قبلة النصارى فهم يستقبلون مطلع الشمس، وأشار بذكر المغرب إلى قبلة اليهود، فهم يستقبلون بيت المقدس وهو في جهة الغرب منهم.

 

  • 2) رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ترك لنا باب التوبة والرحمة مفتوحاً : عن عبدالله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال رسول الله  (قالت قريشٌ للنَّبيِّ  ادْعُ لنا ربَّك يجعَلْ لنا الصَّفا ذهبًا، فإن أصبح ذهبًا اتَّبعناك، فدعا ربَّه فأتاه جبريلُ عليه السلام فقال: إنَّ ربَّك يُقرِئُك السَّلام، ويقول ُلك: إن شئتَ أصبح لهم الصَّفا ذهبًا، فمن كفر منهم عذَّبتُه عذابًا لا أُعذِّبُه أحدًا من العالمين، وإن شئتَ فتحتُ لهم بابَ التَّوبةِ والرَّحمةِ، قال: بل بابَ التَّوبةِ والرَّحمةِ) (رواته رواة الصحيح).

-  طلب حواريي عيسى عليه السلام معجزة المائدة، ولكنه حذرهم إن لم يقوموا بشكرها فسيحل عليهم عذاب عظيم (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ) (وقد وردت القصة سابقاً). وهكذا طلب كفار قريش معجزة ملموسة بأن يجعل لهم جبل الصفا ذهباً ولكن من يكفر منهم يعذَّب عذابًا عظيماً، ولكن رسول صلى الله عليه وسلم رفض رحمةً بأمته وقال: بل بابَ التَّوبةِ والرَّحمةِ.

 

  • 3) ليس الذكر كالأنثى ولكنهم في التكاليف سواء :  جاءت على لسان أم مَرْيَم لما نذرت مافي بطنها محرراً لله عز وجل في سورة آل عمران (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى) (آل عمران 36).

ولـــــ د. نوال العيد كلمة جميلة في ذلك: هذه الآية الكريمة يعتبرها الناس القول الفصل، والقضاء الذي لا يقبل الاستئناف، على تميز الذكر وارتفاعه عن الأنثى، ويردد الناس هذه الآية على أفضلية الذكر مطلقاً على الأنثى من دون قيد أو شرط، مع أن تفسيرها الصحيح يعطي معنىً مغايراً لما يستدلون به. فكتب المفسرين تخبرنا أن تفسير قوله تعالى (وليس الذكر كالأنثى) مرتبطاً بما قبله وأن معنى الآية يختلف باختلاف القراءة الواردة فيها، والآية لها معنيان:

- جاءت قراءة الجمهور بسكون التاء في قوله: (والله أعلم بما وضَعَتْ)، فيكون قوله عز وجل : (وليس الذكر كالأنثى) من كلام الرب على جهة التعظيم لما وضعته، والتفخيم لشأنه، والإجلال لها، إذ وقع من أم مَرْيَم التحسر والحزن على إنجاب الأنثى، مع أن هذه الأنثى التي وضعتها سيجعلها الله وابنها آيةً للعالمين، وعبرةً للمعتبرين، ويختصها بما لم يختص به أحداً... لقد تمنت أم مَرْيَم ذكراً تنذره لخدمة بيت المقدس تلك البقعة المباركة، فحقق لها الكريم فوق ما تتمنى، إذ رزقها امرأةً سيكون لها ولابنها شأنٌ عظيمٌ، وستتسع دائرة النفع لتتعدى خدمة بيت المقدس لدعوة أفراده، وعلى هذا المعنى تكون اللام في الذكر والأنثى في هذه الآية للعهد، فليس الذكر الذي تمنيته يا أم مَرْيَم كالأنثى التي وضعتها، إن الأنثى التي وضعتها أفضل عند الله، وأعظم شأناً، فتكون الآية في تفضيل الأنثى التي وضعتها مَرْيَم على الذكر الذي تمنته، يقول أبو السعود: وليس الذكر كهذه الأنثى في الأفضلية.

- وقرأ أبو بكر وابن عامر بضم تاء (وضَعْتُ)، فيكون قوله سبحانه وتعالى: (وليس الذكر كالأنثى) من جملة كلام أم مَرْيَم ومن تمام تحسرها وحزنها، أي ليس الذكر الذي أرادت أن يكون خادَماً ويصلح للنذر كالأنثى التي لا تصلح لذلك، فالأنثى لا تصلح لخدمة الكنيسة لما يعتريها من الحيض، كما أنها لا تصلح لصحبة الرهبان، لذا كانت أم مَرْيَم تنتظر ولداً ذكراً، لأن النذر للمعابد لم يكن معروفاً إلا للصبيان ليخدموا الهيكل وينقطعوا للعبادة والتبتل، ولكن ها هي ذي تجدها أنثى، فتتوجه إلى ربها لبيان حالها (رب إني وضعتها أنثى)، وكأنها تعتذر أنه لم يكن ولداً ينهض بالمهمة، فتقول: (وليس الذكر كالأنثى) فتكون الآية إخبار عن قول أم مَرْيَم، فلم تأتِ الآية إذن لتقرير واقع وإثبات حقيقة، ولم تقصد أم مَرْيَم الانتقاص من شأن الأنثى، وإنما قالت ذلك لتبين أن وظيفة الذكر مختلفة عن وظيفة الإناث، وما يصلح له لا يصلح لها، لكن تبيّن لها ولغيرها في ما بعد أنها رزقت بأنثى فاقت الذكور حظاً، وتقبل الله هذه البنت بقَبولٍ حَسَنٍ، وقامت بالدور الذي تمنته أمها، بل كانت أمّاً لرسول من أولي العزم.

- وفي هذا عظة وعبرة لكل أب وأم، فالخيرة في ما يختاره الله عز وجل، وكم من أنثى نفع الله بها والديها ما لم ينفعهما بذكر، وتأمل القرآن: (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور...)، فقدَّم هِبَة الإناث على الذكور، وكان من الأنبياء آباء لبنات فقط (مثلاً: لوط عليه السلام) ولو كان ذلك مذموماً أو منقوصاً لما جعله الله رزقاً لأفضل خلقه وهم الأنبياء الكرام.

- هناك حِكَمِ لله تعالى في التفريق بين الذكر والأنثى في بعض الأحكام الشرعية، ومن ذلك:  الميراث /  الشهادة /  الجهاد.....

- ولا يظنن أحدٌ أن في ذلك انتقاصاً لقدرها، بل هو تنزيهٌ لها عن ترك مهمتها الأساسية في التربية والقرار في البيت، إلى مهمة أقل شأناً وسمواً، وهي ممارسة التجارة والمعاملات المالية!

 

  • 4) القصة الوحيدة التي جاءت بالتفصيل في القرآن الكريم بدأت أحداثها قبل ميلاد عيسى عليه السلام لتثبت بداية نسبه :  فهي القصة الوحيدة التي تحدثت عن عيسى عليه السلام حتى قبل ميلاده بالتفصيل الدقيق في القرآن الكريم، منذ بداية منشأ العائلة من جده الرجل الصالح (عمران) وجدته المرأة الصالحة (امرأة عمران). وأفرد القرآن ثاني أطول سورة باسم (سورة آل عمران) والتي تحدثت عن قصة الرجل الصالح عمران وعن النصارى بشكل عام. فنلاحظ أنها عائلة عريقة بدأت من داود لسليمان، لعمران حتى وصلت إلى عيسى عليه السلام ولذلك تقول الآية (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَم وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)) (آل عمران) فقد شبَّ الأحفاد على نهج الأجداد، مفعمين بالخير والصلاح.

 

  • 5) لم يذكر اسم أي امرأة في القرآن الكريم سوى مَرْيَم (عليها السلام) : لها سورة كاملة باسمها، لتؤكد نسب عيسى بتكرار قول (عيسى بن مَرْيَم) عليهما السلام  وضمَّنها حيزاً واسعاً من قصة حملها وولادتها.

 

  • 6) لفظي كلمة "مَرْيَم" وكلمة "فرعون" والإعجاز اللغوي في نطق حرف الراء بين التفخيم والترقيق: عند التكلم عن حرف الراء تحديداً نجد أن الصفة المميزة فيه: أنه حرف متوسط، وبالتالي للراء أحوال في التفخيم والترقيق.

- فإذا كان حرف الراء أو ما قبله مفتوحاً أو مضموماً تقوم بتفخيمه عند نطقه، مثال كلمة (مَرْيَمْ) هنا ما قبلها مفتوحاً وبالتالي تلفظ مفخمة وفيها تفخيم وإعلاء لقدر مَرْيَم عليها السلام. أما إذا كان حرف الراء أو ما قبله مكسوراً فإننا تقوم بترقيقه عند نطقه، مثال كلمة (فِرْعَوْن) هنا ما قبلها مكسوراً وبالتالي تلفظ مرققه وفيها تدني وتقليل من هيبة الطاغي فرعون.

 

  • 7) الفرق بين جباراً عصيا وجباراً شَقِيّاً :  قال سبحانه وتعالى على لسان يحيى عليه السلام (وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً (14)) (مَرْيَم). وجاء على لسان عيسى عليه السلام (وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32)) (مَرْيَم).

- جاء على لسان يحيى عليه السلام (جباراً عصياً) لأن لديه والدين فلذلك الخوف من أنه يكون عصياً أكثر من أنه يكون شقيًّا، وأما على لسان عيسى عليه السلام (جباراً شقياً) فهو بدون أب ومن أم فقط لذا فالخوف من أن يكون شقيًّا أكثر. 

- ففي لفظ يحيى: مخالفة الأبوين معصية كبيرة ولكن سيواسي كل من الأب والأم الآخر ويهون عليه، أما في لفظ عيسى: فعيسى ليس لديه أب ولديه أم فقط، فإذا عَقَّها فمن سيواسيها ويحبر بخاطرها ؟؟ لذا كانت العقوبة أعظم وهي الشقاء، ومعروف أن الشقي في النار.

- وهنا يجدر التنبيه: أن الأم إذا كانت أرملة أو مطلقة ولأي سبب أو ظرف فقدت زوجها وسندها في الحياة، فالعقوق في حقها يعتبر أعظم جرماً من عقوق الوالدين معاً، وذلك لضعفها وقلة حيلتها. لذا أكد الشرع على الاعتناء بها ووصف من قام بذلك بأنه شقيا. فلنحذر من العقوق وعلى الابن أن يكون أباً وأخاً وابناً لكي يعوِّض أمه حتى لا تشمله هذه الآية الكريمة.

 

  • 8) الفرق بين الوالدة والأم : الأم هي أصل الشيء فنقول مثلاً عن مكة أم القرى، أو اللغة الأم، ونقول أمهات المؤمنين على زوجات رسول الله . ولكن الوالدة هي التي تلد، فليس كل أم والدة ولكن كل والدة أم. جاء في القرآن (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) (البقرة 233) فيه إرضاع والمرأة لا ترضع حتى تلد. وقد جاء على لسان عيسى عليه السلام (وَبَرّاً بِوَالِدَتِي) ولم يقل أمي ليثبت نسبه لمريم لأنها ولدته وليست مربيته ليقول لسان حاله لبني إسرائيل أني وُلِدّت من هذه المرأة.

 

  • 9) الفرق بين الكرامة ... والمعجزة ... والسحر:
  • تعريف المعجزة: هي أمر يجريه الله عز وجل على يدي الأنبياء ويكون على خلاف ما اعتاده الناس من سنن الكون وقوانينه، والغرض منها إثبات صدق نبوتهم وأنهم رسل من عند الله. مثلاً: عدم إحراق النار لإبراهيم، وتحول عصا موسى إلى حية، وانشقاق القمر للنبي  وخروج الماء من بين أصابعه الشريفتين.

  • وأما الكرامة: فهي أمر يجريه الله عز وجل على يد أوليائه، ويكون على خلاف ما اعتاده الناس من سنن الكون وقوانينه كإتيان مَرْيَم عليها السلام ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء، وحملها من غير زوج، ونداء عمر لسارية أن ينحاز إلى الجبل وسماع سارية لندائه مع أن بينهما آلاف الأميال. ومن أسباب حصول الكرامات للأولياء: بيانُ قدرة الله تعالى/ نُصرة الدِّين / تكريمٌ لذلك الوليِّ / زيادة الإيمان والتثبيتُ للوليِّ الذي ظهرت على يديه وهي من المبشرات له.

  • وأما السحر: فهو تجاوز السحرة حدود قدرات البشر العادية عن طريق استعانتهم بالشياطين، كتحويل الحبال والعصي إلى حيات.

ويتضح مما سبق أن محل الإشكال في فهم هذه الأمور الثلاثة إنما جاء من كونها جميعاً تشترك في مجيئها على خلاف العادة، والمعروف من قوانين الكون وسننه، إلا أن اشتراكها في صفة واحدة لا يعني أنها شيء واحد، طالما أن لكل منها صفات تميزها عن الأخرى .

 

الفرق بين المعجزة والكرامة :

  • 1)  المعجزة مبنية على الإظهار والاشتهار، وصاحبها (وهو النبي) مأمور بإظهارها، بينما الكرامة مبناها على الكتم والستر، وصاحبها (وهو الولي) مأمور بكتمانها.

  • 2)    المعجزة تكون مقرونة بالتحدي وبدعوى النبوة، أما الكرامة فغير مقرونة بالتحدي ولا بدعوى فضيلة ولا منزلة عند الله .

  • 3)    ثمرة المعجزة تعود بالنفع والفائدة على الغير أما والكرامة في الغالـب خاصة بصاحبها .

  • 4)    المعجزة تكون بجميع خوارق العادات والكرامة تختص ببعضها .

  • 5)    المعجزات خاصة بالأنبياء والكرامات تكون للأولياء .

  • 6)    الأنبياء يحتجون بمعجزاتهم على المشركين لأن قلوبهم قاسية، والأولياء يحتجون بالكرامة على نفوسهم حتى تطمئن وتوقن ولا تضطرب .

  • 7)  الكرامةُ تظلُّ أحيانًا محكومةً بعواملِ الزَّمان والمكانِ، فما كان في زمنٍ كرامةً لا يكونُ في زمنٍ آخَرَ، فإيتاءُ مريمَ عليها السلام  ثَمَر الشِّتاء والصيف لا يُعَدُّ كرامةً اليوم في كثيرٍ من البلاد، وكذلك وصولُ صوتِ عمر رضي الله عنه لساريةَ لَم يعُدْ كرامةً في عصرنا بعد تقدُّم التُّكنولوجيا ووسائل الاتِّصالات، بخلاف المعجزةِ فإنَّها تظلُّ على مدى الأزمانِ.

     

الفرق بين المعجزة والسحر :

  • 1) المعجزة خارقة للعادة: أي أنها تأتي مخالفة لقوانين الكون فهي من الله سبحانه وتعالى، وأما السحر فإنه يحدث بحسب قوانين يمكن تعلمها فهو من الساحر.

  • 2) المعجزة لا ينتج عنها إلا الخير، أما السحر فلا يصدر منه الخير .

  • 3) المعجزة لا يمكن إبطالها، أما السحر فإنه يمكن إبطاله. ومعلوم أن السحر لا يتم إلا عند الاستعانة بالشياطين والتقرب لهم بمظاهر الكفر المختلفة.

  • 4) المعجزة تجري على يد نبي، وهو خير الناس علماً وعملاً وخلقاً، أما السحر يجري على يد ساحر، وهو شر الناس علماً وعملاً وخلقاً والنفوس تنفر منه ومن صنيعه.

  • 5)  المعجزة ليس لها سبب ولهذا لا يستطيع غير النبي أن يأتي بمثلها، ولا يستفاد منها بالتعلم والتجربة. أما السحر فله أسباب معروفة وهي الطلاسم التي تقال وتكتب ويستعان فيه بالجن، فكل من تعلم ذلك وفعله حصل له ما يريد من السحر.

     

  •  10) النَّذْرُ وأحكامه:  النَّذْر هو ما يَنْذِرُه الإِنسان فيجعله على نفسه نَحْباً واجباً. ويعني إلزام الإنسان المكلَّف نفسه ما ليس واجباً عليه شرعاً تعظيماً للمنذور له .. وهذا هو نَذْرُ العبادة.

- يقول ابن تيمية: إن النَّذْر لا يجوز إلا إذا كان عبادةً لله .. ومفهوم هذا الكلام أن هناك من النَّذْرِ ما ليس بعبادة أصلاً .. وهذا مثل أن ينذر المباح لله تعالى، مثل أن يقول : لك عليّ إن رزقني الله مالاً أن أشتريَ فرساً أو أنكح امرأة أخرى .. فأين وجه العبادة في هذا النذر ؟؟ 

ولكن .. إن كان هذا النَّذْر عبادة وصرفه المرء لغير الله جل جلاله كان شركاً أكبر ..  وفي ذلك يقول ابن تيمية : فَمَنْ نَذَرَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ أَعْظَمُ مِنْ شِرْكِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَهُوَ كَالسُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ.

ومن نذر لغير الله وأراد بذلك شكر الله على نعمةٍ ما، فهذا النذر شرك أصغر .. كمن نذر لصاحب القبر أن يزيّن أو يسرّج قبره إن رزقه الله مالاً .. فيكون هذا النذر شركاً أصغر بمقتضى ما نذر به ....  إلخ.

وهنا نرى نموذجاً من أعظم نماذج النذر لله عز وجل وهي امرأة عمران، فلما تحققت من الحمل نَذَرَت أن يكون محرَّراً أي خالصاً مفرغاً للعبادة لخدمة بيت المقدس، فقالت: يارب السميع لدعائي العليم بنيتي (إِذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي) (آل عمران 35)، ولم تكن تعلم ما في بطنها أذكراً أم أنثى، فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى وإني سميتها (مَرْيَم) وفيه دليل على جواز التسمية يوم الولادة كما هو الظاهر من السياق لأنه شرع من قبلنا.

 

  •  11) ماهي الرَّهْبَانيَّة التي ابتدعها النصارى: قال سبحانه وتعالى: (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد 27).

ما هي الرَّهْبَانيَّة: هي التَّخَلِّي عن أشغال الدنيا وترك ملاذِّها والزُّهد فيها والعزلة عن أُهلها والانقطاع للدين، فالحواريين وأتباعهم كانت في قلوبهم رأفة ورحمة مودة، فكان يوادّ بعضهم بعضاً. وفي هذا إشارة إلى أنهم أُمِروا في الإنجيل بالصلح وترك إيذاء الناس، وألان الله قلوبهم لذلك، بخلاف اليهود الذين قست قلوبهم وحرَّفوا الكَلِمَ عن مواضعه. عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما في تفسير قوله سبحانه وتعالى : ورهْبَانِيَّةٍ ابتدعوها قال: كانت ملوك بعد عيسى عليه السلام  بدلوا التوراة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرؤون التوراة والإنجيل ويدعون إلى دين الله تعالى، فقال أناس لملكهم: لو قتلت هذه الطائفة، فقال المؤمنون: نحن نكفيكم أنفسنا، فقالت:

  • 1) الطائفة الأولى: ابنوا لنا أسطوانة ارفعونا فيها وأعطونا شيئاً نرفع به طعامنا وشرابنا ولا نرد عليكم.

  • 2) الطائفة الثانية: دعونا نهيم في الأرض ونسيح ونشرب كما تشرب الوحوش في البرية فإذا قدرتم علينا فاقتلونا.

  • 3) الطائفة الثالثة: ابنوا لنا دوراً في الفيافي ونحفر الآبار ونحترث البقول فلا تروننا. وليس أحد من هؤلاء إلا وله حميم منهم ففعلوا. فمضى أولئك على منهاج عيسى عليه السلام ، وخلف قوم من بعدهم ممن قد غير الكتاب فقالوا : نَسِيحُ ونتعبَّدُ كما تَعَبَّد أولئك، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان من تقدم من الذين اقتدوا بهم، فذلك قوله عز وجل : (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ ......) الآية .

ابتدعها هؤلاء الصالحون فما رعوها المتأخرون حق رعايتها، فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم يعني الذين ابتدعوها أولاً ورعوها وكثير منهم (يعني المتأخرين عنهم) فاسقون، فلما بعث الله محمداً  ولم يبق منهم إلا قليل، جاؤوا من الكهوف والصوامع والغيران فآمنوا بمحمد . وهذه الآية دالة على أن كل محدثة بدعة، فينبغي لمن ابتدع خيراً أن يدوم عليه، ولا يعدل عنه إلى ضده فيدخل في الآية الكريمة. وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنَّ رسولَ اللهِ  كان يقولُ: لا تُشَدِّدُوا على أنفُسِكم فيُشَدِّدَ اللهُ عليْكُمْ، فإِنَّ قومًا شدَّدُوا على أنفُسِهم، فشدَّدَ اللهُ عليهم، فتلْكَ بقاياهم في الصوامِعِ والديارِ رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتبْنَاهَا عَلَيْهِمْ) (حسن).

رأي وموقف الإسلام من الرَّهْبَانيَّة: أصلها من الرَّهْبَة أي الخوف، فكانوا يترهبون بالتخلي عن أشغال الدنيا، وترك ملاذها والزهد فيها والعزلة عن أهلها وتعمد مشاقها، حتى أن منهم من كان يضع السلسلة في عنقه ويحرم على نفسه الزواج. فنفاها نبينا محمد  عن الإسلام ونهى المسلمين عنها، فجاء في الحديث: ( ............ وعليكَ بالجهادِ، فإنَّهُ رهبانيَّةُ الإسلامِ) (حسن).

 

  • 12) لنا في حياة رسولنا الكريم أسوة حسنة: نحن كمسلمين محظوظون، فلنا في حياة رسولنا محمد  أسوةٌ حسنةٌ، فقد نقلها لنا الصحابة وأمهات المؤمنين بكافة تفاصيلها، بأقواله وأفعاله وحركاته  ... ماذا كان يأكل، يشرب، يلبس ... ماذا يحب وماذا يكره ... كيف كان يمشي ... كيف يصلي وكيف يصوم .. كيف يعامل زوجته وأولاده وأحفاده ... أصحابه .. عندما كان فقيراً ... وغنياً يملك خمس الغنائم ... عندما تزوج زوجة واحدة ... وأكثر من زوجة ... بكراً وثَيِّب ... تزوج من أقربائه ومن غريبات ... تزوج بيهودية ونصرانية ومسلمة ... تزوج بحرة وتزوج بأمة ملك اليمين ... كيف كان يغضب .. يفرح و ... و ... و ... ، أما بقية الرسل الكرام فهناك الكثير من جوانب وسنوات حياتهم مفقودة لدى أتباعهم. فمثلاً عيسى عليه السلام لم يتزوج ولم يكن لديه أولاد .. وكثير من سنوات حياته مفقودة لدى أتباعه، ولا نعرف عنه الكثير، ومن ثم يصعب علينا الاقتداء به في جميع جوانب الحياة كما نفعل ونقتدي برسول الله محمد .

 

  • 13) نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحديده لعلامات قيام الساعة الكبرى: جاء في الحديث الذي ذكرناه سابقاً عن علامات الساعة ونزول الدَّجَال، ذكر لنا رسول الله  ( .............. حتى يأتي الشام مدينة فلسطين بباب لد .........) فمن أين عرف رسول الله  اسم المدينة تحديداً التي سيقتل فيها الدجال وهو لم يزر فلسطين في حياته ؟؟ وحددها بدقة (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4)) (النجم).       

 

  • 14) هل ولد المسيح عليه السلام فعلاً في 25 ديسمبر .. وهل الكريسمس هي مناسبة حقيقية أقرها الإنجيل :  مناسبة الكريسمس هي مايؤمن به المسيحون عن تاريخ ميلاد المسيح (25 ديسمبر)، وهي ليست كغيرها من المناسبات لما ينطوي تحتها من أسرار، وما يلحقها من طقوس الاحتفال كشجرة الميلاد وبابا نويل أو سانتا كلوز وغيرها من البدع والوثنيات:
  • - أولاً : كذبة تاريخ ميلاد المسيح، نعم أن هنالك طوائف كثيرة من الديانة المسيحية ترفض أن يكون المسيح ولد في هذا التاريخ، لأن ذلك يخالف ماجاء في الإنجيل من أن المسيح لم يولد في فصل الشتاء، لأنه عند ولادته كان هنالك رعاة يرعون غنمهم بالخارج وغالباً لا يخرج الرعاة إلا في الربيع أو الصيف والدليل في إنجيل لوقا الذي مازال نصه لم يحرف (ومان فى تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم)  (لوقا 2: 8).

- يقول الأسقف بارنز: (غالباً لا يوجد أساس للعقيدة القائلة بأن يوم 25 ديسمبر كان بالفعل يوم ميلاد المسيح، وإذا ما تدبرنا قصة لوقا التى تشير إلى ترقب الرعاة فى الحقول قريباً من بيت لحم، فإن ميلاد المسيح لم يكن ليحدث فى الشتاء، حينما تنخفض درجة الحرارة ليلاً، وتغطى الثلوج أرض كنعان .. .. ويبدو أن عيد ميلادنا قد اتفق عليه بعد جدل كثير ومناقشات طويلة حوالى عام 300 م).

- وورد في دائرة معارف شامبرز: (أن الناس كانوا في كثير من البلاد يعتبرون الانقلاب الشمسي في الشتاء يوم ميلاد الشمس، وفي روما كان يوم 25 ديسمبر يُحْتَفَل فيه بعيد وثني قومي، ولم تستطع الكنيسة أن تلغي هذا العيد الشعبي بل باركته كعيد قومي لشمس البر).

- ويقول بيك أحد علماء تفسير الكتاب المقدس: (لم يكن ميعاد ولادة المسيح هو شهر ديسمبر على الإطلاق، فعيد الميلاد عندنا قد بدأ التعارف عليه أخيراً فى الغرب.

حتى نعرف ماهو السر وراء تاريخ الكريسمس (25 ديسمبر) الذي صار معروفاً أنه تاريخ مولد المسيح رغم أن الكتب السماوية تنكر ذلك، يجب أن نرجع للتاريخ في بداية دعوة المسيح في فلسطين. فقد اصطدمت دعوته ومعتقداته مع معتقدات الدولة الرومانية الوثنية التي كانت تحكمهم آنذاك بقيادة القيصر بيلاطس، وكانت ديانة الرومان تتمثل بعبادة إله الشمس (زال) بينما جاءهم من يدعوهم لعبادة الله، فبدأت سلسلة القتل والصلب والاضطهاد لأتباع المسيح ونجحت دولة الروم بالتعاون مع اليهود في تشتيت وقتل المسيحيين خصوصاً الحواريين. خلاصة القصة أن الحضارة الرومانية الوثنية التي كانت تعبد إله الشمس كانت تحارب الديانة المسيحية وترى فيها تمرداً على دينهم واستمر الحال 300 عام!.

ثم تولى القيصر قسطنطين عرش الروم، فجاءته فكرة غريبة حيث قرر أن يعترف بالمسيحيين ليشاركوا معه بالمعركة، فجمع المسيحيين من شعبه وقال لهم أنه حين كان يدعو إله الشمس لينصره في المعركة ظهر له الإله مع صورة المسيح ليخبره أن المسيح من سينصره، وطبعا هذا كذب ولكنه دهاء سياسي لأنه يحتاج جنوداً للمعركة، ومن هنا أمرهم قسطنطين بالتالي:

  • 1)  وضع شعار الصليب على دروعهم لطلب النصرة من المسيح أثناء القتال. وكانت هذه المرة الأولى التي يعتمد فيها (الصليب) كشعار للديانة المسيحية .

  • 2)  بعدها أراد قسطنطين أن يرضي الطرفين (عباد الشمس وعباد الله) فقرر أن يوحدهم بأن يدمج الديانة الوثنية بالديانة السماوية، فجعل اليوم المقدس للمسيحين هو يوم الأحد والذي كان يوماً مقدساً لعبادة الشمس وهذا سبب تسميته (Sun-day).

  • 3)  ثم حاول أن يقارب بين إله الشمس (زال) والمسيح في صفاتهم ... فجعل اسم المسيح (شمس الحق) ومنحه نفس تاريخ مولد (إله الشمس). وتاريخ مولد إله الشمس حسب الديانة الوثنية هو ( 25 ديسمبر) أو مايعرف اليوم (بالكريسمس) وهو نتيجة تزاوج بين الديانة الوثنية والمسيحية.

ما أريد التوصل له بأن مؤسس الديانة المسيحية الحقيقي هو قسطنطين، وهو من وضع الصليب ويوم الأحد وبنى الفاتيكان، ووضع (الكريسمس) ليوحد ديانة شعبه. فتاريخ الكريسمس ليس مولد المسيح أبداً، وإنما تاريخ مولد إله الشمس ولكن نتيجة الدمج بين الديانتين، اعتمد مولد المسيح أنه 25 ديسمبر وهذا كذب.

 

  • ثانياً : جاء القرآن الكريم بعد ذلك ليؤكد أن المسيح ولد بالصيف، فالرطب الذي سقط على مريم لا ينضج إلا صيفاً. (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) (مريم 25)، أي وخذي إليك بجذع النخلة. قال ابن عباس عليه السلام: كان جذعاً نخراً فلما هزت نظرت إلى أعلى الجذع فإذا السعف قد طلع، ثم نظرت إلى الطلع قد خرج من بين السعف، ثم أخضر فصار بلحاً ثم احمر فصار زهواً، ثم رطباً؛ كل ذلك في طرفة عين، فجعل الرطب يقع بين يديها لا ينشدخ منه شيء.

وقد استدل بعض العلماء من هذه الآية على أن الرزق وإن كان محتوماً؛ فإن الله تعالى قد وكل ابن آدم إلى سعي ما فيه؛ لأنه أمر مريم بهز النخلة لترى آية، وكانت الآية ممكن أن تكون بألا تهز. فالأمر بتكليف الكسب والرزق سنة الله تعالى في عباده، وأن ذلك لا يقدح في التوكل، وقد كانت العذراء قبل ذلك يأتيها رزقها من غير تكسب.

وقيل إن النخلة: كانت مثمرة في شهر الصيف وهذا الرأي أخذ به الداعية أحمد ديدات رحمه الله. فاحتفالنا هو موقف نعترف وتتقبل به أن يكون للشمس إله قد ولد هذا اليوم، والله لايغفر أن يشرك به. وﻻ حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

 

  •  15) كلُّ فَرِيَّة تَجُرّ دماً : على الآخرين بالأكاذيب وقذفهم في أعراضهم من الكبائر في ديننا الإسلامي التي يتوجب عليها حَدُّ القذف والتي قد تصل إلى ثمانين 80 جلدةً إن لم يكن هناك شهداء عُدول. والحكمة من تشديد العقوبة حتى تكون رادعاً لحماية أعراض المسلمين من أمة محمد .

 لكن اليهود معروفين أنهم أهل كذبٍ وافتراءٍ، ومن مبادئ حياتهم الأساسية (الغاية تبرر الوسيلة)، كما أنهم لا يهتمون بأعراض النساء، ومن أمثلة ذلك قيامهم بالافتراء على مَرْيَم عليها السلام والتشكيك في عِرْضِها رغم أنها ابنة رئيسهم عمران. كما أنهم افتروا على يحيى عليه السلام ووشوا به (كما ذكرنا سابقاً) مما أدى إلى قتله واستشهاده، ثم تجاوزوا ذلك وقاموا بقتل زَكَرِيَّا عليه السلام ونشروه بالمنشار (ذكرناه سابقاً). ولكن لم يكتفوا بذلك، انتهى بهم الأمر بمحاولتهم قتل عيسى عليه السلام قبل أن يرفعه عز وجل إلى السماء. كل هذه الافتراءات والمصائب المتتالية التي ارتكبوها كانت سبباً كبيراً في غضب الله عز وجل عليهم، فسحب منهم النبوة إلى قيام الساعة، فكانت خاتمة النبوات في ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام فجاء خاتم النبيين وأفضل المرسلين من سلالته (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) (النساء).

 

  •  16) الدين كله نزل من مِشْكَاةٍ واحدةٍ وخالقٍ واحدٍ:  لكن الأمم السابقة حرَّفت وبدَّلت. وما زالت هناك بعض العبادات لم تحرف بالشكل الكامل، ومن أمثلة ذلك:
  1. الراهبة في الديانتين اليهودية والنصرانية محجبة باللبس الساتر ... كما هي الفتاة المسلمة.

  2. الصلاة عند اليهود يسبقها وضوء، كما أن صلاة اليهود والنصارى فيها ركوع وسجود.

  3. القِسِّيس أو البابا أي رجل الدين النصراني، وكذلك الحاخام أي رجل الدين اليهودي، والشيخ أو رجل الدين المسلم الملتزم بشرع الله وسنة الهادي أحمد نجدهم جميعهم ملتحين.

  4. جميع الديانات حرمت الخمر والربا والزنا والرشوة .... إلخ، وهذه الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر.

     

أ- (الرِّبَا)

تعريف الرِّبَا: الزيادة على الشيء ومنه (أربى فلان على فلان) إذا زاد عليه.

 

- تحريم الرِّبَا في الديانة اليهودية: جاء تحريم الرِّبَا في مواضع مُتعدِّدة من التوراة: في سِفْر الخروج/الإصحاح 22 في العدد 25 (إن أقرضتَ فِضَّة لشعبي الفقير الذي عندك، فلا تكن له كالمرابي، لا تضعوا عليه رِبًا(.

وفي سِفْر اللاوِيِّينَ / الإصحاح 25 في الأعداد 35 حتى 37) وإذا افتقر أخوك وقصرت يده عندك فاعْضُده . . لا تأخذ منه رِبا ولا مُرابحة فِضَّتك لا تُعْطه بالربا وطعامك لا تعطه بالمرابحة).

سِفْر التثنية / الإصحاح 23 في العدد 19 (لا تُقْرض أخاك بربا، ربا فِضَّة أو ربا طعام أو ربا شيء ما مِمَّا يقرض بربا) .

ولكنهم حرفوا نصوص التوراة فحرموا التعامل بالربا بين اليهودي واليهودي وأباحوه بين اليهودي وغير اليهودي، فينص العدد 20 الذي يليه في نسخة التوراة المحرفة التي يتداولها يهود اليوم، على أن: (للأجنبي تقرض برِبا، ولكنْ لأخيك لا تقرض بربا، لكي يُباركك الربّ إلهك في كل ما تَمتدّ إليه يدك في الأرض التي أنتَ داخل إليها لتمتلكها(.

صُحُف موسى حَرَّمت على اليهود أخذ الرِّبَا من الفُقَراء ولو كانوا من الأجانب، ثم انحصر التحريم في إقراض اليهود، وإن كان المُقْترِض مُوسِراً. ولم يكن اليهود يعملون بالتِّجارة حين أُنزِلت التوراة، فلم تُشِر نصوصها إلى الدُّيون التجارية.

ولم يبدأ تعامل اليهود بنظام الائتمان التجاري حتى ذلك الحين. ولكن عندما قاموا بتدوين التوراة خلال فترة السبي (وهم عبيد أَسْرى في بابل عندما سباهم نبوخذ نصر) قام أحبارهم بتدوين كتاب المشنا من سنة 200 ق م حتى سنة 200م. فقاموا بتحريم أخذ الرِّبَا على الديون التجارية، ولكنهم رخَّصوا في نفس الوقت التهَرُّب من هذا التحريم بالحِيلة القانونيَّة، بأن يُعْتَبر المُقرِض بالربا بمَثابة شريك مُستحِقّ لأرباح المشروع التجاري الذي أمدَّه برأس ماله.

- تحريم الرِّبَا في الديانة المسيحية : كذلك الدين النصراني يحرمه، فجاء تحريم الرِّبَا في مواضع مُتعدِّدة من الإنجيل: إنجيل لوقا: (إذا أقرضتم الذين ترجون منهم المكافأة فأي فضل يعرف لكم؟…ولكن افعلوا الخيرات وأقرضوا غير منتظرين عائدتها… وإذاً يكون ثوابكم جزيلا).

وقد أجمع رجال الكنيسة كما اتفقت مجامعها على تحريم الرِّبَا تحريماً قاطعاً، حتى أن الآباء اليسوعيين وردت عنهم عبارات صارخة في حق المرابين، يقول الأب بوني: (إن المرابين يفقدون شرفهم في الحياة، إنهم ليسوا أهلاً للتكفين بعد موتهم).

- تحريم الرِّبَا عند جميع الأديان السابقة : ولم يكن تحريم الرِّبَا قاصراً على أرباب الديانتين، بل كذلك حرّمه من اشتهر في التاريخ بالعلم والفهم والحكمة كبعض الفلاسفة، منهم أرسطو، وأفلاطون الفيلسوف اليوناني الذي قال في كتابه القانون: (لا يحل لشخص أن يقرض بربا).

- ازدراء العرب في الجاهلية للرِّبَا رغم تعاملهم به : وأما العرب في جاهليتهم على الرغم من تعاملهم به إلا أنهم كانوا ينظرون إليه نظرة ازدراء، وليس أدل على ذلك أنه عندما تهدم سور الكعبة وأرادت قريش إعادة بنائه حرصت على أن تجمع الأموال اللازمة لذلك من البيوت التي لا تتعامل بالرِّبا، حتى لا يدخل في بناء البيت مال حرام، فقد قال أبو وهب بن عابد بن عمران بن مخزوم: (يا معشر قريش لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيباً، لا يدخل فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس).

- تحريم الربا في الديانة الإسلامية : قال تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة 275) لقد كانت الجاهلية تتعامل بالربا قبل الإسلام، فجاء الإسلام وحرمه كما هو معلوم بالنصوص، وسَدَّ كل أبوابه ووسائله وذرائعه ومنافذه، حتى ما كان فيه شبهة من ربا منعه وحرمه، كمنعه  من بيع صاعين من تمر رديء بصاع من تمر جيد.. فامتثل الناس لذلك وتلاشى الرِّبَا، وحل محله البيع والقرض الحسن والصدقة والزكاة ..

 

وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم لآكل الرِّبَا خمساً من العقوبات:

  • 1) التخبّط : قال الله تعالى: ﴿لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَس﴾ (البقرة 275).

  • 2) المَحْق: قال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبَا﴾ (البقرة 276)  والمراد الهلاك والاستئصال وذهاب البركة والاستمتاع حتى لا ينتفع به، ولا ولده بعده.

  • 3) الحرب: قال الله تعالى: ﴿ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِه﴾ (البقرة 279) .

  • 4) الكفر: قال الله تعالى: ﴿ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (البقرة 278) .

  • 5) الخلود في النار: قال تعالى: ﴿وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة 275). وكذلك - قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران 130).

 

- الرِّبَا بعد الإسلام في الدول الأوروبية: كانت أوربا تدين بالنصرانية وتحرم الرِّبَا والتعامل به، أما اليهود كانوا يمتنعون من التعامل بالربا فيما بينهم ـ وكانوا ممنوعين من التعامل به مع غيرهم تحت وطأة الكراهية والذل الذي كانوا فيه.. ولكن في أواخر القرن السادس عشر ميلادي بدأت أوربا بالتمرد على هذا الحكم الإلهي .. بوضع استثناء لهذا الحظر في أموال القاصرين، فصار يباح تثميرها بالربا بإذن من القاضي، ثم تبع ذلك استغلال الكبار لنفوذهم، فقد كان بعض الملوك والرؤساء يأخذون بالربا علناً، أمثال: لويس الرابع عشر الذي اقترض بالربا، والبابا التاسع تعامل أيضاً بالربا.

- انتشار الرِّبَا والبنوك الربوية : لكن الرِّبَا لم ينتشر ولم يقر كقانون معترف به إلا بعد الثورة الفرنسية، فالثورة كانت ثورة على الدين والحكم الإقطاعي والملكي .. وكان من جملة الأحكام الدينية في أوربا كما علمنا تحريم الرِّبَا، فنبذ هذا الحكم ضمن ما نبذ من أحكام أخر، وكان لا بد أن يحصل ذلك، إذ إن اليهود كانت لهم اليد الطولى في تحريك الثورة الفرنسية واستغلال نتائجها لتحقيق طموحاتهم ومن ذلك إنشاء مصارف ربوية لتحقيق أحلامهم بالاستحواذ على أموال العالم لأنهم في ذلك الحين كانوا هم أصحاب المال، وجاءت الفرصة في تلك الثورة فأحل الرِّبَا وأقر. ثم بدأت الثورة الصناعية، واحتاج أصحاب الصناعات إلى المال لتمويل مشاريعهم، فامتنع أصحاب المال من غير اليهود عن تمويل المشاريع الحديثة خوفاً من الخسارة .. أما اليهود فبادروا بإقراضهم بالربا، ففي قروض الرِّبَا الربح مضمون ولو خسر المقترض، وقد كانت أوربا في ذلك الحين مستعمرة بلدان العالم بقوة السلاح فارضة عليها إرادتها، فلما تملك اليهود أمرها وتحكموا في إرادتها كان معنى ذلك السيطرة والتحكم في العالم أجمع، ومن ثم فرضوا التعامل بالربا على جميع البلاد التي تقع تحت سيطرة الغرب، فانتشر الرِّبَا وشاع في كل المبادلات التجارية والبنوك، فاليهود كانوا ولا زالوا إلى اليوم يملكون اقتصاد العالم وبنوكه ..إذن.. اليهود هم وراء نشر النظام الربوي في العالم.

 - وفي الختام : لا يشك إنسان في أن الله عز وجل لا يأمر أو ينهى عن شيء إلا لحكمة عظيمة، فإن علمنا بالحكمة فهذا زيادة علم ولله الحمد، وإذا لم نعلم بتلك الحكمة فليس علينا جناح في ذلك، إنما الذي يطلب منا هو أن ننفذ ما أمر الله به، وننتهي عما نهى الله عنه ورسوله  ونقول سمعنا وأطعنا. ولا شكّ أنّ للرّبا أضرار جسيمة، وعواقب وخيمة، والدين الإسلامي لم يأمر البشرية بشيءٍ إلا وفيه سعادتها وعزّها في الدنيا والآخرة، ولم ينهها عن شيء إلا وفيه شقاوتها وخسارتها في الدنيا والآخرة، ثم إن المصلحة تحريم الرِّبَا لأن أضراره الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أكثر من منافعه، ومن ثم فإنه لا يصح القول بأن العلة في تحريم الرِّبَا هي الاستغلال أو الظلم؛ لأن الظلم أو الاستغلال هو الحكمة من تحريم الرِّبَا. فهو ثروة من الفقراء إلى الأغنياء، فلنتصور إنساناً لا يعمل يستيقظ الساعة الثانية عشرة ظهراً، لأن أمواله مستثمرة في مشروع ربوي : لا يهمه نزول مطر أو لا، لا يهمه كساد ولا يهمه رواج، لا يهمه تقدم الأمة لأن ربحه ثابت، لذلك فإن أقسى قلب هو قلب المرابي أو الذي يستثمر ماله عن طريق الرِّبَا لأنه انتهازي لا يهمه سوى نفسه.

  ب- (الحجاب)

 

- الحجاب في الديانة اليهودية: 

ارتداء المرأة اليهودية للنقاب ثابت في التوراة أيضاً، فقد جاء في سفر التكوين في حديثه عن "رفقة زوجة نبي الله إسحق" ما يلي: (ورفعت رفقة عينها فرأت إسحاق فنزلت عن الجمل، وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا ؟ فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت) . كما أن الشريعة اليهودية تجيز للرجل تطليق زوجته إذا لم تلتزم بارتداء غطاء الرأس أمام الغرباء. وجاء في سفر أشعيا: (إن الله سيعاقب نساء صهيون على تبرجهن والمباهاة بخلاخيلهن).

 وقد أشار موسى بن ميمون الحبر اليهودي للأمور التي تخرج المرأة اليهودية من ديانتها بقوله: (لا يجوز للمرأة أن تمشي في فناء منزلها وهي حاسرة الرأس تماماً بل هي ملزمة بوضع منديل – أيًّا كان – يغطي جزءاً من رأسها، أو تضع قبعة مشبكية(. وقال أحد الحاخامات في الأدب الحاخامي: إن القانون الحاخامي اليهودي يمنع إلقاء الأدعية أو الصلوات في وجود امرأة متزوجة حاسرة الرأس، وملعون الرجل الذي يترك شعر زوجته مكشوفاً.

 

 

 - الحجاب في الديانة المسيحية:

ارتداء المرأة النصرانية للحجاب ثابت في الإنجيل ولا يمكن إنكاره، وأكبر دليل على ذلك لباس أو حجاب الراهبة وهي المرأة المتدينة في عقيدتهم.

 رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس / الاصحاح 11 وهو يتحدث عن وجوب تغطية المرأة لشعرها وهي تصلي لله: (وأما كل امرأة تصلي أو تتنبأ ورأسها غير مغطى, فتشين رأسها لأنها والمحلوقة شيء واحد بعينه, إذ المرأة إذا لا تتغطى فليقص شعرها)  (احكموا في أنفسكم هل يليق بالمرأة أن تصلي إلى الله وهي غير مغطاة ؟ ).

 وجاء في رسالة بطرس الرسول في الاصحاح 3 (لا تكن زينتكن الزينة الخارجية من ضفر الشعر والتحلي بالذهب ولبس الثياب).

 وجاء في أعمال الرسل وهو يعتبر مصدر التشريع الثاني عند طائفة الأرثوذكس: (لا تتشبهن بهؤلاء النساء أيتها المسيحيات إذا أردتن ان تكن مؤمنات. اهتمي بزوجك لترضيه وحده. وإذا مشيت في الطريق فغطي رأسك بردائك فإنك إذا تغطيت بعفة تُصانين عن نظر الأشرار).

 

 

 - الحجاب في الديانة الإسلامية: 

قال عزَّ من قال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب 59).

 وهذه الآية بإجماع أهل العلم أنها الأمر للمرأة المسلمة بالحجاب، ولا خلاف بين أهل العلم على فرض لبسه، كما جاء النص القرآني القطعي بذلك، وكما جاء أمره  بخروج النساء والعواتق يوم العيد، عن أم عطيةَ نسيبة الأنصارية رضي الله عنها قالت: أمرنا رسولُ اللهِ  أن نُخرجهُنَّ في الفطرِ والأضحى العواتقُ والحُيَّضُ وذواتُ الخدورِ. فأمَّا الحُيَّضُ فيعتزلْنَ الصلاةَ ويشهدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين، قلتُ: يا رسولَ اللهِ ! إحدانا لا يكونُ لها جلبابٌ، قال: لتُلْبِسَها أختُها من جلبابِها) (صحيح مسلم). معاني الكلمات : العواتقُ: جمع عاتق وهي الشابة أول ما تبلغ، الخدورِ: جمع الخدر وهو الستر.

 ولم يأذن لهن بالخروج بدون جلباب أبداً رغم قلة ذات اليد، قال الحافظ ابن حجر معلقاً على حديث أم عطية: وفيه امتناع خروج المرأة بغير جلباب. وجاء في الحديث عن أمِّ سلَمةَ قالت: (لمَّا نزلت: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ خرجَ نساءُ الأنصارِ كأنَّ علَى رؤوسِهِنَّ الغِربانَ منَ الأَكْسِيَةِ) (صحيح).

 وللعلماء ثلاثة أقوال في السنة التي فرض فيها الحجاب على النساء، هل هي السنة الثالثة أم الرابعة أم الخامسة للهجرة، ورجح هناك أن الحجاب نزل في السنة الرابعة هجرية، والله أعلم.

  جـــــ- (اللحيـــــــة)

 

- اللحية في الديانة اليهودية:  تُعتبَر إطالة اللحية في الحضارات القديمة علامة على بلوغ مرحلة الرجولة، وأحد أشكال الهوية. ويمنع العهد القديم بصريح العبارة حلق أركان اللحية (لاويين 19/27). ولذا، كان إطلاق اللحية أحد الأوامر الدينية التي يتعيَّن على اليهودي أن ينفذها. وينظر التلمود إلى اللحية بوصفها حلية الوجه، وقد نسب إليها المتصوفة من اليهود أسراراً لا يمكن سبر غورها. ويظهر اليهود في الصور المرسومة في العصور الوسطى في الغرب بدون لحى محفوفة، وهو ما يشير إلى تزايد معدلات الاندماج الحضاري بينهم. ولا يُطلق اليهود الغربيون لحاهم في الوقت الحاضر، لكن الأرثوذكس لا يزالون يحرمون حلق اللحية. أما بالنسبة السوالف فقد جاء في العهد القديم: (لا تقصروا رؤوسكم مستديراً ولا تفسد عارضيك) (لاويين 19/27)، وهي توصية ضد قص الشعر حول محيط الرأس. وكان من علامات التقوى أن يترك اليهودي جزءاً من شعره غير مقصوص متدلياً فوق الأذن. ويترك اليهود الإشكناز سوالف طويلة، أما السفارد فإن سوالفهم قصيرة.

  - اللحية في الديانة المسيحية:

جاء في كتاب تعاليم الرسل لمرقس داود: (يجب أيضاً أن لا تنزع شعر لحيتك لتفسدها أو تغير شكل الإنسان إلى غير طبيعته لأن الناموس قال: (لا تحلقوا شعر لحاكم (لأن الله خالقنا خلقه ولأن هذا يليق بالنساء, فأما الذكور فحسبهم أن هذا العمل لا يليق بهم وأنت إذا صنعت هذا العمل لترضي الناس, وتقاوم الناموس تصير مرذولاً قدام الله الذي خلقك).

   -  اللحية في الديانة الإسلامية : 

 اللحية كرامة من الله للرجل، وجعلها الله ميزة له عن النساء، وجعلها ميزة له عن الكفرة والعصاة الذين يحلقون لحاهم، فهي زينة للرجال، عن أبي هريرة  قال رسول الله  : (اعفوا اللِّحى، وخُذوا الشَّواربَ، وغيِّروا شيبَكُم، ولا تَشبَّهوا باليَهودِ والنَّصارَى) (إسناده صحيح).

وأيضاً عن أبي هريرة  قال رسول الله : (جُزُّوا الشَّواربَ وأرخوا اللِّحَى، خالِفوا المجوسَ) (صحيح مسلم).

 

 وهناك العديد من الأمثلة التي لا تعد ولا تحصى والتي تثبت أن جميع الديانات من مشكاة واحدة قبل أن يصيبها تحريف أيدي البشر.

 

 

انتهت الرحلة

 المرفقات:

  • 1) عيسى عليه السلام بوربوينت pps .
  • 2) عيسى عليه السلام  pdf. 

 

قرأ 9512 مرات آخر تعديل على الجمعة, 14 نيسان/أبريل 2017 02:29
تويتات
نشرت في رحلتي المصورة مع الأنبياء
تحميل المرفقات :
  • 28_Essa_Jesus_Prophet_peace_be_upon_him.pdf (781 التنزيلات)
  • 28_Jesus__Prophet_peace_be_upon_him.pps (874 التنزيلات)
المزيد في هذه الفئة : « (27) يحيـى عليه السلام مِلَّة الإسلام ... مِلَّة جميع الأنبياء »

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

كلمة الموقع

عنوان الكلمة الاسبوعية

عنوان الكلمة الاسبوعية

لنبحر عبر التاريخ إلى الأزمنة الماضية، فنرى على أرض الواقع ماذا فعل الأنبياء العظام الكرام مع أقوامهم. صوت لا يصمت

صفحاتنا الاجتماعية



آخر تعليقات

مواقع مفيدة

  • محرك البحث غوغل
  • موقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
  • موقع الدرر السنية/الباحث في الأحاديث
  • موقع الروح لتفسير القرآن الكريم

إحصاءات الزوار

زوار اليوم:9
زوار الاسبوع:94
زوار الشهر:723
مجموع الزوار:63022

Kubik-Rubik Joomla! Extensions
تصميم و برمجة art4muslim - فن المسلم